اللغـة الخشبيـة
كثيرا ما نستمع الى بعض المتحدثين الضيوف فى البرامج الحوارية التليفزيونية أو ضيوف الندوات والمؤتمرات أو لبعض السياسيين والدبلوماسيين فنجد الحديث طويلا ممتلئا بعبارات ومصطلحات براقة ولكن بعد دقائق قصيرة أو طويلة نشعر أن المتحدث لم يقل شيئا ولم يحسم أمرا ولم يجب عن الأسئلة المطروحة ولكن فى نفس الوقت نشعر أنه ممتلئ بالمعرفة اليقينية حول الموضوع المثار ولكن لا نستطيع على وجه التحديد التعرف على مدى هذا العمق المعرفى ولا عن أى تفاصيل دقيقة ولكن فقط نشعر بتوجهه نحو هذا الموضوع أو ذاك بدون أن نستطيع وضع أيدينا على البهارات التى قالها والتى أعطانا هذا الإحساس على وجه الدقة والتحديد.
هذا الأسلوب الخطابى المراوغ يطلق على مفرداته أنه أسلوب اللغة الخشبية وهذا الأسلوب لا يستخدم فى الخطابات واللقاءات فحسب بل نجده أيضا لدى بعض الكتاب من الباحثين والروائيين والكتاب الصحفيين أيضا والحقيقة فإن التحدث بهذه اللغة يمكن اعتبارها ملكة ومهارة لا تتوافر لدى الكثيرين إذا تم تنفيذها بأسلوب شيق يجذب المستمع او القارئ فيجعله مشدودا لما يقال ومستمتعا به ايما استمتاع بغض النظر عن فراغ المحتوى أو انعدامه.
تتيح تلك اللغة الخشبية لمستخدمها التراجع عن آرائه ووجهات نظره عند الحاجة بدون أن يشعر المتلقى أن هذا الشخص قد غير من توجهاته كما أنها لا تجعل صاحبها عرضة لأن يقع تحت طائلة القانون لأى سبب من الأسباب المعروفة فى هذا الإطار مثل السب والقذف والتهديد أو التحريض على أمر ما.
خطورة هذا الأسلوب أنه يقدم تخديرا لذيذا للمتلقى ولكن ما أن ينتهى تأثيره حتى يجد المتلقى نفسه على نفس درجة العلم أو الجهل بالقضية المطروحة ولكنها لغة مناسبة جدا لهذا العصر الذى يكثر فيه الكلام وتقل فيه الأفعال أو المواقف الجادة.
يصاحب تلك اللغة الخشبية أيضا مجموعة من مفردات لغة الجسد المتوازنة فلا نجد الصوت مرتفعا ولا منخفضا ولا نجد تعبيرات فرح أو سخرية أو غضب أو اندهاش ولكن مجرد تعبيرات وحركات ميكانيكية خالية من أى دلالة على حالة صاحبها وذلك لكى تكتمل المنظومة بين لغة خشبية وتعبيرات بلا دلالة لكى تستمر عمليتى الحديث والالقاء بلا أى فاعلية أو نتيجة حقيقية.