الإثنين 29 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
يوم من عمره (3)

يوم من عمره (3)

انتقلت منذ عدة أيام إلى مكان جديد، مجموعة من الأعمدة الطويلة تحمل سقفًا رماديا، ليس هذا كل شىء بالتأكيد، فمابين تلك الأعمدة الكثيرة أرى ألوانًا متعددة، هذه الألوان تتغير مع الوقت، فى الصباح تقل تلك الألوان كثيرًا ولكن مع قدوم الليل تعود إلى حالتها يوم قدمت إلى هنا لأول مرة، الألوان كثيرة بالفعل، ليس منها لون الطعام المحبب إلى، لا أدرى لماذا لا أجده منتشرًا، على أية حال هذا لا يهم طالما وجدت الطعام والشراب المخصصين لى.



اعترف أننى لا أميل إلى الطعام كثيرًا، لا أدرى سبب ذلك، ولكنهما لونان اثنان فقط هما الذان يثيران شهيتى للطعام، بالطبع لا أقدر على الاستغناء عن الماء، شربًا وقولًا واحدًا، قبل أن انتقل إلى هذا المكان تنقلت كثيرًا على حسب ما تسعفنى به الذاكرة، أذكر فى إحدى المرات أن كانت وقفتى أسفل سقف مرتفع فى مكان شديد الزحام، الألوان كانت تتحرك من حلوى بسرعة كبيرة كما كان عددًا كبيرًا من البشر يتحركون أيضا، كان الأمر مزعجًا ولكننى وجدت سلوتى وونسى فى الحديث إلى بعض الأصدقاء، كان بعضهم هادئا فيما كان البعض الآخر شديد التوتر والانزعاج، لم يطل بنا المقال هناك، الأكل كان سيئًا للغاية، عبارة عن الواح رقيقة رمادية اللون بها بعض المواضع الملونة، اعترف أننى لم أستسغه يومًا ما و لكننى اضطررت إلى تناوله فالجوع كان فظيعًا، أما عن الشراب فلم يكن مستساغًا أيضا، كان قليلًا جدًا وبه الكثير من الشوائب العالقة والمتحركة.

فى أحد الأيام أتى رجل فاره الطول أخذنى وعدد من الرفاق وانتقل بنا إلى مكان جديد، كان الطعام شهيا ولكن لم يكن الشراب كذلك، كان شديد الملوحة مما دفعنى إلى شرب كميات مهولة لأشعر بالارتواء، فى الحقيقة لم أشعر به فى هذه الأثناء إطلاقا. أما الآن فإن الوضع أفضل كثيرا، الطعام شهى والشراب عذبا، أجد عددًا من الأشخاص يتحركون من حولى بين الحين والآخر، الاطفال الصغار فى غاية السخافة، لا أجد وسيلة لإيقافهم عن اللهو الا الصياح بصوت مرتفع، يبدو أن هذا الصوت يخيفهم بالفعل، إلا قلة ملعونة لا يؤثر فيها على الإطلاق.

اليوم أجد ضياء الصباح باهرًا، لا استطيع أن افتح عيناى بسهولة، أتساءل عن كل هذه الجلبة ولم اليوم يبدو مختلفا، استطيع أن اسمع أصواتا عالية متكررة تأتى من مكان بعيد، بعد فترة من الوقت رأيت اشخاصًا يلتفون من حولى، يمسك أحدهم بشىء لامع، يبدو شديد الجدية فيما يقترب منى ببطء، أشعر بآخرين يمسكوننى بشدة، حركتى مشلولة، ما هذا الضياء، أين أنا.

اللحظات الأخيرة من مذكرات خروف.