الإجابة النموذجية

أحد أكبر مساوئ التعليم الذى تلقيناه خلال العقود السابقة أننا لم نتعلم أو لعلنا لم ننتبه إلى معنى ما أطلق عليه «الإجابة النموذجية»، فالكثير منا اعتقد أن هذا المصطلح يساوى فى معناه عبارة «الإجابة الوحيدة الصحيحة» والحقيقة أن الفارق كبير والهدف أكبر، فالإجابة النموذجية هى الإجابة الأقرب إلى الصحة باستخدام ما لدينا من معطيات وأسلوب للحل، أما الإجابة الوحيدة الصحيحة فمعناها أن أى إجابة تخالف تلك فإنها خاطئة ولا يجب الاعتداد بها.

الإجابة الوحيدة الصحيحة لا يمكن أن نستخدمها وندافع عنها إلا فى حالات قليلة وفى مجالات محددة، هذا يكون مناسبًا عندما نقوم بحل مسألة فى الرياضيات أو الفيزياء أوعندما نقوم بمراقبة تفاعل كيميائي ونسجل نتائجه المعروفة والمتوقعة أيضًا، أما باقى العلوم الإنسانية أى تلك التى ترتبط بالإنسان وتصوراته وسلوكياته فإن الأمر يكون مختلفًا وهكذا يجب أن يكون، حاول أن تعدد المجالات التى لا يوجد لها إجابة واحدة صحيحة وستجد أن ذلك يشمل أغلب العلوم تقريبًا، السياسة والاقتصاد والفلسفة وعلوم الإدارة والتسويق وكذا أيضًا المجالات الثقافية والفنون المختلفة وغيرها الكثير وصولًا إلى علوم الفقه والتفسير.

تعتمد تلك العلوم على المقارنات بين النظريات المختلفة التى هى فى حد ذاتها قابلة للنقض أو لإثبات عدم صحتها أو جدواها فيما بعد، وتلك هى سنة الحياة وطبيعتها، كما أنها تعتمد على عدد من الظروف الخارجية التى تؤثر فى مدى ترجيح إجابة على أخرى أو لجمع أكثر من إجابة لاستنباط إجابة جديدة تعتمد على مدى الإيمان والثقة فى الإجابات السابقة بنسب مختلفة.

ولأننا تربينا على أسلوب الإيمان بالإجابة النموذجية والكفر بما هو دونها، فإن الكثير من النقاشات والسجالات بل وأحيانًا الخلافات والشجار يحدث نتيجة لذلك، تذكر على سبيل المثال الخلاف بين الرأسمالية والشيوعية وكيف يتحزب كل فريق لرأيه معتبره الرأى الأوحد وفى هذا يسوق الكثير من الحجج والأسانيد ويقوم بحملات إعلامية شعواء لإثبات ذلك ولزيادة أعداد المؤمنين به وفى نفس الوقت أيضًا يقوم بمهاجمة المعسكر الآخر بما يشمله من أفكار ومعتقدات ودول وأفراد أيضًا.

القضية الأخطر عندما نتبع نفس المنهجية فى أمور الدين، فكثير مما تلقيناه فى الصغر نعتبره هو الصحيح وأن ما دونه خطأ كبير وهو ما يقلل من أهمية التحليل وإعمال العقل ويصل بصاحبه فى النهاية إلى أن يتحول إلى إناء ينتظر الملء من الخارج.

سامح الله كل من ساهم فى وصولنا إلى هذه الدرجة من التحجر وتعطيل العقل وقدرات البحث والمقارنة والتحليل.