الإثنين 29 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
يوم من عمره (5)

يوم من عمره (5)

كان علىًّ أن أختبئ مثلما أفعل فى كل مرة، لا أدرى لماذا لم أفعل ذلك هذه المرة، كيف لم انتبه لقدومها السريع والمباغت، الأمر لم يستغرق الا ثوان معدودة، بعد ذلك وجدت نفسى وحيدا أحدق فى الفراغ، ماذا علىًّ أن افعل الآن، هل أبدأ فى الصراخ والنحيب أم انتظر قليلا لعل الأمر يمر وتعود الأمور إلى سابق وضعها بعد دقائق أو ساعة على أقصى تقدير، حسنا سأنتظر وأرى، لن أحرك ساكنا، سأظل أحدق فى الفراغ منتظرا لحظة الفرج.



مر وقت طويل لا أعلمه على وجه الدقة ومازلت قابعا فى نفس المكان بلا حراك، الصدمة ان أحد لم يأت كما هو الحال فى المرات السابقة، يبدو أن علىًّ ان اتحرك، لا يمكن أن اقف ساكنا هكذا، أشعر بتوتر وانزعاج كبيرين، لا أشعر بالمحيط من حولى، الجدران والأرض وسقف الحجرة يبدو أنهم يتحركون جميعا ليطبقوا على، حتى قطع الاثاث الموجودة بالغرفة تقترب ايضا، لا أريد أن اكلم احدا ولا أريد أن يكلمنى أحد، فقط أريد استعادة ما تم اخذه منى خلسة من قبل، كيف لى أن أعود لممارسة هوايتى المفضلة، قفز إلى رأسى سؤال مهم، هل هى بالفعل هواية أم هى الحياة، كيف لهواية ان جاز التعبير ان تسيطر عل كل جوارحى ووجدانى بهذه الصورة،  يجب أن أضع حدا لكل هذه الآلام.

تحركت ببطء مغادرا الحجرة إلى ساحة المنزل، الساحة خالية تماما ولكننى أعلم أنها تسمعنى وستستجيب، لا أدرى من أى باب ستدخل، علىًّ أن اكون متقنا فى انفعالى، بدأت بالتوسل ثم البكاء ثم الصراخ، لا من مجيب، انتقلت إلى المرحلة التالية، مرحلة الحركة الهستيرية، أقترب من الأبواب، أترك جسمى يرتطم بهم بقوة، أعيد كلمات التوسل وعباراته بنغمات مختلفة وبصوت متصاعد فى القوة والحدة، النغمات تمتلئ بالتوسل والوعد بالتغيير، لا أحد يجيب، سأحاول الاقتراب أكثر، سأقوم بفتح الأبواب كلها بحثا عنها، أشعر أن العالم من حولى قد فقد ألوانه، الأبيض والأسود فقط هما اللونان السائدان.

أشعر باختناق شديد، الدموع تأتى الآن حقيقية، فتحت الباب الواحد تلو الآخر، لا يوجد أحد، توجهت إلى الباب الأخير وقمت بفتحه يائسا، وجدتها تجلس على حافة السرير تنظر شذرا فى اتجاه الباب، حاولت النظر إلى عينيها ولكنها تجاهلتنى تماما، بدأت فى إعادة نفس العبارات مرة أخرى محاولا استعطافها لتمنحنى المفقود، لم تعيرنى أى انتباه، نظرت فى اتجاه النافذة، وجدت الشمس قد غربت وتراءى لى أضواء الطريق، عدت إلى الاستعطاف والرجاء بلا فائدة، بدأت فى الصراخ والقفز عاليا، لا أشعر بأى تحرك، لا تزال تحدق نحو باب الغرفة، استمر فى القفز، أشعر بثقل فى رأسى وصداع رهيب، أشعر أن رأسى سينفجر، لا يمكن أن أعيش هكذا منفردا بدونه، أشعر بثقل فى جفونى، لا أستطيع أن أفتح عينانى، الآن الظلام يسود، ظلام الليل وظلام النوم، هل مازلت واعيا أو أننى فى حلم طويل، لا هذا ليس حلما، هذا كابوس، إلى متى سيستمر، لا أدرى.

من مذكرات طفل قررت والدته منعه من استخدام الهاتف المحمول لمدة يوم واحد فقط.