الإثنين 29 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
جحا الرقمى

جحا الرقمى

جميعنا نعرف شخصية «جحا»، ذلك الشخص الفقير الحكيم الساخر شديد الذكاء، وعلى الرغم من أن الشخصية خيالية يعج الكثير من كتب التراث الشعبى بقصصها وحكاياتها وعلى الرغم أيضًا من محاولات النسب التى تحاول أن تؤكد أنه شخصية عربية ظهرت فى العصر الأموى يدعى صاحبها أبوالغصن دُجين أو أنه شخصية تركية هى الشيخ نصر الدين خوجة الرومى، على الرغم من هذا النزاع على موطنه ونشأته وهو صراع أراه غير ذى فائدة كبيرة إلا مجرد لزيادة الفخر وإضفاء الأهمية لعصر أو لبلد على آخر، إلا أن بقاء الشخصية خيالية ومتحركة فى الزمان والمكان هو الوضع الأفضل للبشرية جميعها وهوما يسهم فى نشر تلك النوادر والإضافة إليها أيضًا بكل حرية، ففى الحقيقة لا نعلم تقريبًا كم هى عدد تلك النوادر على الرغم من هذا الكم المهول من المؤلفات والأعمال التى تناولت هذا الأمر عبر العصور المختلفة.



شخصية جحا ونوادره صالحة لكل زمان ولكل مكان ولكل الأعمار أيضًا فمنها السطحى واضح السخرية ومنها الحكيم شديد الفهم والتعمق ولا أجد أى داعٍ؛ لأن أقوم بسرد بعضها فى هذه المساحة الصغيرة، حيث يكفى بحث صغير سريع على شبكة الإنترنت لتخرج إلينا عشرات الآلاف من تلك النوادر ولكن أثناء استعراض نتائج البحث خطر ببالى فكرة مفادها «ماذا لو كان جحا يعيش بيننا الآن، ويملك حسابًا على إحدى شبكات التواصل الاجتماعى؟»، كيف كان سيتفاعل مع هذا الكم المهول من الأخبار المغلوطة والشائعات ولا مع هذا الكم من الزيف والكذب والاستعراض والتفاهة، كيف كان سيتفاعل مع الصور المفبركة ومقاطع الفيديو الغريبة، كيف كان سيتفاعل مع منشورات المستخدمين وكيف سيكون رده عليها وما هى علامات الإعجاب التى سيستخدمها؟ هل كان سيقوم بإنشاء صفحة رسمية له موثقة بالعلامة الزرقاء ويكتفى بذلك أم سيقوم أيضًا بعمل صفحة له على تطبيق التيكتوك يبث فيها بعض من نوادره بصورة جذابة بأسلوب العصر، ثم هل كان سيشعر بالارتياح، وأن هذا العالم الرقمى مناسب للسخرية ولبث نوادر تحمل الحكمة وتهذب النفوس أم كان سينزلق إلى تلك الهوة العميقة ويتحول إلى شخص تافه آخر يضاف إلى ملايين التافهين، أم كان سيصاب بالتوتر والانزعاج ويقوم بإغلاق كل حساباته ويترك عصر المعلومات المحموم، ويفر هاربًا إلى الماضى البسيط حين كانت المعلومة واضحة والحكمة واضحة والكذب مذموم والصدق محمود؟ أسئلة لا أجد إجابات عليها فطبيعة شخصية جحا المفاجأة وقول غير المتوقع، ولكن بالالتزام بالحكمة والسخرية دائمًا.