الثلاثاء 19 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا
مصر والسعودية أخوة الدم والتاريخ والجغرافيا

رسائل السماء صاغت وحدة المصير بين البلدين والشعبين وحملتهما مسئولية حماية الأمن القومى العربى

مصر والسعودية أخوة الدم والتاريخ والجغرافيا

العلاقات المصرية السعودية راسخة ومتينة فكانت ولا تزال نموذجًا للتآخى، وجامعة لكل المكونات الإنسانية والثقافية والدينية، ويحمل التاريخ بين دواوينه أشكالًا متعددة من التآخى، والتحاب، والتزاوج، الفكرى والثقافى، بين الشعبين حتى قبل الإسلام، فلم يكن زواج أبو الأنبياء سيدنا إبراهيم من هاجر المصرية مصادفة، ولم يكن زواج الرسول محمد «صلى الله عليه وسلم» من مارية القبطية عبثًا، بل هى رسائل حملها إلينا التاريخ لكى نتشبث ونتمسك بها نبراسًا، هادية لنا ولأجيالنا فى المستقبل الممتد إلى الأبد، كما أن تسمية البحر الذى يربط بين الشعبين الشقيقين بالبحر الأحمر، «كناية إلى لون الدم الذى يجرى فى الشرايين» لم تأت من بنات أفكارنا بل هى وحي إلهي، لعل البعض من الجانبين يفهم رسائل السماء ويستوعب حتمية الديموغرافيا التى أكدت عبر الأزمان على ديمومة أواصر العلاقات والقربى بين الشعبين، وحسن الجوار بين البلدين، فلم يحفل التاريخ بكل هذا الكم من الرسائل لأى من شعوب الأرض إلا  للشعبين الشقيقين فى مصر والسعودية.



■ ■ ■

 وفى التاريخ المعاصر، القاهرة والرياض هما أكبر حليفين وهما رافعة الأمة العربية وصنوانها، يقع عليهما وحدهما دون غيرهما العبء الأكبر فى تحقيق التضامن العربى، والعبور بالشعوب العربية من مستنقع الأزمات الاقتصادية والسياسية والوجودية التى تهدد بقاء بعض من هذه الدول، وتفتت وحدة شعوبها، والأمثلة حاضرة وكثيرة لا تحتاج إلى إمعان النظر، أو إجهاد التفكير، القيادتان فى البلدين الشقيقين لديهما إدراك كامل ووعى مطلق بحجم التحديات الداخلية والخارجية التى تستهدفهما معًا، وتستهدف معهما الأمة العربية بكاملها، وتعرف كل من الدولتين قدر الأخرى ومكانتها وتتوزع أدوار كل منهما لتتكامل فى صالح النظام العربى بكامله.

ومنذ أن أسس المغفور له الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود - رحمه الله - المملكة العربية السعودية منذ مائة عام حرص على بناء علاقة قوية مع مصر وهو صاحب المقولة التاريخية: «لا غنى للعرب عن مصر، ولا غنى لمصر عن العرب»، كما أن الرئيس عبدالفتاح السيسى صرح أكثر من مرة مشيدًا بالدعم السعودى والخليجى لمصر الذى لولاه ما نجحت ثورة الشعب المصرى ضد تنظيم الإخوان فى 30 يونيو 2013 التى أزاحت حكم الإخوان البغيض المستبد كما قال أكثر من مرة فى مناسبات عديدة: «أؤكد اعتزازى الدائم بالعلاقات المتميزة التى تربط مصر والسعودية على المستويين الرسمى والشعبى»، وقال فى لقائه بوسائل الإعلام الأجنبية فى منتدى الشباب بشرم الشيخ نوفمبر 2018: «إننا بجانب أشقائنا فى الخليج قلبًا وقالبًا، وأنه إذا تعرض أمن الخليج للخطر وتهديد مباشر من جانب أى أحد، فإن شعب مصر قبل قيادته لن يقبل بذلك وسوف تتحرك قواته لحماية أشقائه»، وأضاف: «إن المملكة العربية السعودية أكبر بكثير من أن يهز أحد استقرارها، إحنا مع المملكة فى استقرارها وأمنها بشكل كبير، وهناك حكمة فى الإدارة من جلالة الملك سلمان».

ولا ينسى المصريون الموقف التاريخى للملك عبدالله بن عبدالعزيز - رحمه الله - الذى جابه الغرب بكامله وواجه انحيازهم للتنظيم الإخوانى بصلابة وصلادة ستظل محفورة فى سجلات التاريخ ودواوينه، كما أرسل وزير خارجيته الأسبق الأمير سعود الفيصل - رحمه الله - الذى قام بتأجيل زفاف ابنته الذى وافق نفس يوم سفره إلى أوروبا لإقناع العواصم الغربية بثورة شعب مصر ضد الإخوان، كما أن الماضى القريب يحمل فى طياته الكثير، فمنذ أن وقعت مصر والسعودية على معاهدة الصداقة بينهما فى عام 1926م، التى توجت بتوقيع اتفاقية الدفاع المشترك بين البلدين فى 27 أكتوبر 1955، ودعمت السعودية مطالب مصر فى الاستقلال وجلاء القوات البريطانية، ووقفت إلى جانبها فى جميع المحافل الدولية، وشاركت قوات سعودية فى حرب أكتوبر 1973، واستخدم الملك فيصل بن عبد العزيز سلاح البترول لدعم الجيش المصرى فى معركته لتحرير الأرض عام 1973، وساندت مصر الحق العربى المشروع فى أعقاب اعتداء قوات صدام حسين على الكويت، حيث شاركت القوات المصرية فى حرب تحرير الكويت انطلاقًا من الأراضى السعودية.

■ ■ ■

 وعلى الجانب الاقتصادى فإن الدعم السعودى والخليجى لمصر بعد ثورة 30 يونيو لا يحتاج إلى دليل، وما كان للشعب المصرى أن يتجاوز التحديات المعيشية الصعبة التى واجهته إبان فترة حكم الإخوان وما بعدها، فحجم المنح السعودية لمصر ساهم فى إعادة عجلة التنمية ودفع الاقتصاد المصرى لأن يحقق معدلات نمو مرتفعة قبل أن تداهمه تداعيات وباء كورونا وبعده حرب روسيا على أوكرانيا التى ألقت بسلبياتها على معظم دول العالم، ومنها مصر، كما قدمت المملكة إلى مصر فى 9 يوليو 2013 حزمة مساعدات بقيمة خمسة مليارات دولار، ملياران فى صورة غاز ومنتجات نفطية، وملياران فى صورة وديعة، ومليار نقدًا، وطبقًا لتقرير الهيئة العامة للاستثمار فإن حجم الاستثمارات السعودية فى مصر بعد ثورة 30 يونيو قد بلغ مليار جنيه، وأن عدد الشركات السعودية التى أسست فى المرحلة الانتقالية الثانية بلغ 16 شركة، ووصل حجم الاستثمارات السعودية لـ28 مليار دولار بقطاعات مختلفة فى عام 2013، ووفقًا لتقرير صادر عن اتحاد الغرف السعودية العام الماضى فإن المملكة ومصر ترتبطان بأكثر من 160 اتفاقية ثنائية، تدعم نمو العلاقات الاقتصادية ووصل حجم التبادل التجارى إلى نحو 54 مليار ريال عام 2021م، كأعلى قيمة له تاريخيًا، محققًا نموًا بنسبة 87٪ مقارنة بعام 2020م، حيث بلغ حجم الصادرات السعودية للسوق المصرية 38.6 مليار ريال والواردات المصرية للسوق السعودية 15.7 مليار ريال بنمو قياسى بلغت نسبته 60٪، فيما يبلغ حجم الاستثمارات السعودية  فى مصر أكثر من 32 مليار دولار وذلك من خلال أكثر من 6800 شركة سعودية، أما الاستثمارات المصرية فى السعودية فتبلغ 5 مليارات دولار من خلال أكثر من 802 شركة مصرية، «(وكالة الأنباء السعودية «واس»).

تتوزع الاستثمارات السعودية فى مصر بشكل أساسى فى قطاعات الصناعة والتشييد والسياحة والمالية والخدمات والزراعة والاتصالات وتقنية المعلومات، فيما تتركز الاستثمارات المصرية فى المملكة بقطاعات الصناعة والتشييد والاتصالات وتقنية المعلومات وتجارة الجملة والتجزئة والخدمات التقنية والعلمية والمهنية.

■ ■ ■

 ووفقًا لهذه الأرقام تعد مصر أكبر شريك تجارى عربى للمملكة، حيث تعد الشريك السابع فى جانب الصادرات والتاسع فى جانب الواردات على مستوى دول العالم، كما تبوأت مصر المرتبة الثانية فى قائمة أكبر الدول التى تم إصدار رخص استثمارية لها بالمملكة عام 2020 بإجمالى 160 رخصة استثمارية، وجاءت فى المركز الثانى من حيث المشروعات الجديدة بالمملكة، فقد بلغ عدد الصفقات الاستثمارية المبرمة خلال الربع الأول من 2022 حدود 11 صفقة استثمارية، فيما احتلت المملكة المرتبة الثانية من حيث الاستثمارات فى مصر.

وأكد التقرير على الأهمية الاقتصادية المتبادلة بين البلدين، حيث تمثل المملكة أهمية اقتصادية بالنسبة لمصر كونها، تعتبر سوقًا للكثير من الصادرات المصرية الزراعية والصناعية والخدمية، ومستوعبًا للعمالة المصرية، ومصدرًا رئيسًا للحركة السياحية، حيث تلعب الاستثمارات السعودية دورًا مهمًا فى تنويع ودعم الاقتصاد المصرى، كما يمكن أن تمثل بوابة دخول للمنتجات المصرية للأسواق الخليجية، وأرضًا خصبة للاستثمارات المصرية فى كثير من القطاعات، فيما تمثل مصر أهمية اقتصادية خاصة للمملكة، نظرًا إلى أنها عمق للأسواق السعودية والخليجية وسوق عالية الاستهلاك، كما يمكن أن تمثل بوابة مهمة للمنتجات السعودية للوصول إلى دول القارة الإفريقية، وتعد موردًا للعديد من المنتجات الزراعية والصناعية، ومصدرًا رئيسًا للعمالة والخبرات العلمية والفنية والمهنية.

■ ■ ■

 العلاقات المصرية السعودية ستبقى متميزة وراسخة لأنها مستمدة من تاريخ طويل جمع البلدين والشعبين الشقيقين عبر سلسلة طويلة من المحطات والوقائع التاريخية يمكنها أن تحصن العلاقات من أى خلافات تشوبها أو تعتريها فى المستقبل، فالعلاقات بين الشعبين حصينة ومنيعة لا يفت فيها تجاوز هنا أو هناك، فالسماء باركت شعب مصر، والرسول العظيم أمر صحابته بقوله الخالد: «إنكم ستفتحون مصر، وهى أرض يسمى فيها القيراط، فاستوصوا بأهلها خيرًا فإن لهم ذمة ورحمًا» والجغرافيا جمعت بين الشعب المصرى والسعودى على ضفتى البحر الأحمر ليتشارك الشعبان ماءه ونقاء هوائه وثرواته، العلاقات المصرية السعودية علاقات أخوية أبدية طوال التاريخ.