السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

بعد حصوله على جائزة إحسان عبدالقدوس

فريد عبدالعظيم: أدركت أن الكتابة بحد ذاتها جائزة كبرى أكتفى بذلك وسعيد بقناعاتى

لحظات فارقة فى حياة الكتاب والمبدعين هى من تشكل مستقبلهم وقدرهم الإبداعى، تلك اللحظات قد تكون مواقف أو كلمات أو رسائل، البعض ينصت اليها والبعض لا يبالى، من ضمن هؤلاء ممن شكلت الإشارات فارقًا فى مسيرتهم الإبداعية.. الكاتب فريد عبد العظيم وهو من مواليد القاهرة 1983، تأهل من قبل للمشاركة فى مشروع دعم المواهب فى مجال الكتابة بإقليم شمال إفريقيا الشرق الأدنى 2018، ضمن مشروع قصص القاهرة القصيرة، الذى نظمه معهد جوتة، بالتعاون مع مؤسسة بنك التعمير الألمانى KfW، وصدرت له رواية «خوفا من العادى»  ورواية «رجل يركض فى الظلام» وحصل مؤخرا على جائزة مسابقة إحسان عبدالقدوس فى الرواية عن روايته اليد الكبيرة.



 

■ حدثنا عن رؤيتك لنفسك من خلال الكتابة؟

أعتبر نفسى قارئا تورط فى الكتابة رغما عنه، بحكم عملى أتعامل يوميا مع عدد كبير من الناس، رتم العمل الحكومى البطىء نسبيًا والثرثرة وتبادل الحكايات طوال الوقت بالإضافة إلى وقت الفراغ الكبير هى من دفعتنى إلى الكتابة، اعتقدت أننى بت أمتلك حكايات مكتملة فشرعت فى تدوينها على الورق.

 أتذكر جيدًا شتاء عام 2016، أحداثة غيرت مجرى حياتى، يوم ذكرى ميلادى فاجأتنى زوجتى بتورتة ضخمة على شكل كتاب، يتصدره جملة» بقلم فريد عبد العظيم»، ابتسمت ابتسامة خالية من المعنى فباغتتنى بكلماتها» فى عيد ميلادك القادم سوف نحتفل بكتاب حقيقى من تأليفك، بعد ذلك اليوم بفترة قصيرة تصادف أن يقام معرض صغير للكتاب فى مدينتى، اصطحبت طفلى وجلنا بالأجنحة المختلفة المليئة بالكتب، بعد حديث قصير عن الكتب وأهمية القراءة أنهته زوجتى بغتة بإحدى جملها المقتضبة، سوف نلتقط الصور فى المعرض القادم مع كتابك، ضحكى طفلى أما أنا فأسرعت الخطى هربًا من الورطة.

لست متيقنا هل كتاباتى كانت سيئة لهذه الدرجة أم أن رواد الفعاليات الثقافية هجوميين بطبعهم.

 انتهيت من قراءة قصتى بعد الكثير من التلعثم، نهضت والعرق الغزير يكسو جسدى، بدأ حفل التوبيخ على الفور، أغلب الحضور لم يبخل فى التوبيخ، أكدوا على أن الفكرة مستهلكة والسرد ركيك والأسلوب كإرثي، بعد أن انتهوا لممت أوراقى وانسحبت أجرجر خيبتى.

■ ما اللحظة الفارقة فى تاريخك الأدبى؟

- لم أعرف كيف أهرب من ورطة الكتابة، زوجتى وطفلى ينتظرون عمل أدبى يحمل فى صدره اسمى، رواد الصالون يؤكدون أننى لا أمتلك على الإطلاق موهبة السرد.

ودعت ذكرى الصالون الثقافى السيئة مؤقتا، قلت لنفسى: لست صغيرًا، تجاوزت الرابعة والثلاثين، من السهل أن تتحمل الصدمات، يجب أن تكمل ما بدأته حتى النهاية، أغلقت بابى ثانية وحاولت الكتابة، أيام مرت ببطء يصاحبها الملل والرغبة فى الانسحاب.

حظى كان حسنًا، قبل أن أتخذ قرارًا بترك الكتابة لأهلها والاكتفاء بكونى موظفا حكوميا وزوجا وأبا حدثت المفاجأة، كنت قد أرسلت قصتى الأخيرة لمسابقة تنظمها مجموعة أدبية على الفيس بوك، فوجئت باتصال تليفونى أبلغت فيه أننى قد فزت وحصلت على المركز الأول، حفل ودرع وشهادة تقدير وبعضا من تصفيق جعل الدموع تاكد أن تنفلت من عينى، لا زلت أتذكر كلمات المتصل: مبروك، قصتك بديعة، لجنة التحكيم أجمعت على استحقاقها الفوز، لا تتأخر عن الحفل.

قبل أن أستفيق من المفاجأة وجدت إشعارًا من موقع الفيس بوك، أحدهم علق على قصتى المنشورة، أشاد بفكرتها وأسلوبها ولغتها، دققت فى اسم صاحب التعليق وصورته وأنا لا أصدق، يوسف زيدان الروائى المعروف قد قرأ قصتى وأعجب بها!، دعانى إلى زيارة منزله، جلست معه والتقطنا الصور وأهدانى معظم كتبه، يومها أدركت أننى قد أكون يوما ما كاتبا.

■ حدثنا عن روايتك الأخيرة «اليد الكبيرة» وكيف جاءتك الفكرة؟

- اليد الكبيرة هى روايتى الثالثة، بعد «خوفا من العادى» و«يوميات رجل يركض»، شرعت فى كتابتها عام 2019، أعدت تحريرها لأكثر من مرة، حذفت وأضفت الكثير، بعدما أنهيتها وأعدت قراءتها قررت أن أعادة كتابتها من الصفر.

أعتقد أن فكرة الرواية قد سيطرت على تفكير فور انتهائى من رواية التلصص لصنع الله إبراهيم، استهوانى صوت الطفل وطريقة سرده للأحداث، صبى صغير يرى العالم ويطرح طوال الوقت تساؤلاته، ربما ذكريا طفولتى هى ما أثرت فى، قد أكون وجدته وقتا مناسبا لإخراجها على الأوراق.

■ لست متيقنا حتى الآن هل نكتب لننسى أم نكتب لنتذكر؟

المهم قررت كتابة العمل بصوت طفل لم يتجاوز عامه العاشر، عالمه ضيق للغاية، حجرة يسكن بها رفقة أبيه، أم متوفاة لا يتذكر ملامحها، شارع ضيق وجيران معدودين.

كلما تقدمت فى كتابة الرواية ازداد إعجابى برؤية الطفل للعالم ولتساؤلاته التى بلا إجابة، بعدما انتهيت فكرت فى بعض من إضافة، أدركت أن هنا نقصا ظاهرا، رواية مبتورة لصوت واحد بلا معارض، شرعت فى إضافة العديد من الفصول، تقريبًا بعد نهاية كل فصل أضفت آخر معارضا له، فصول بصوت الأب يعرض فيها وجهات نظره هو الآخر، تحولت الرواية من سيرة لطفل يحكى معاناته عن فقد فقد أمه وظلم أبيه إلى عمل يرتكز على الفجيعة الإنسانية وحالات الفقد التى يوجهها كل إنسان عبر حياته.

■ كيف استقبلت خبر فوزك بجائزة إحسان عبد القدوس وهل كنت تتوقعها؟

- كنت فى العمل، تصفحت موقع الفيس بوك لعدة دقائق، صادفنى منشورا يتضمن إعلان الفائزين بجوائز إحسان عبد القدوس، لم ألاحظ أن اسمى كان من بين الفائزين، أغلقت شاشة الموبايل وانشغلت بالعمل، بعدها بساعات ظهر الخبر أمامى مرة أخرى، لا أعرف حتى الآن لماذا أعدت قراءته، ربما بعضا من فضول وخصوصا أننى قد اشتركت فى الجائزة، المفاجأة أننى وجدت اسمى من بين الفائزين، أتذكر أننى ضحكت بصوت مرتفع بعد الشىء ما جعل زملائى فى العمل يلتفتون ناحيتى، وتسألون عن المنشور الكوميدى الذى قراءته للتو وجعلنى أقهقه، مرت دقائق ثم بدأت فى التساؤل، ربما خطأ، تشابه أسماء أو أى شىء من هذا القبيل، قلت لنفسى: من الصعب أن تفوز بجائزة ولا تبلغك إدارتها بالخبر، راجعت بريدى الاليكترونى فاكتشفت رسالة تاريخها يعود ليومان سابقان مرسلة من صالون إحسان عبد القدوس يبلغونى فيه بخبر فوزى، ضحكت ثانية بصوت أكثر ارتفاعا ولم أبالى بتعليقات زملائى عند حالتى الغريبة هذا اليوم.

لم أتوقع مطلقا فوزى بهذه الجائزة، تخطيت فكرة التعلق بالجوائز، أمر منهك وموتر للأعصاب ويجعل الكاتب محبطا، وقد يوثر على مشروعه الإبداعى، دربت نفسى على ذلك، منذ فترة أدركت أن الكتابة بحد ذاتها جائزة كبرى، أكتفى بذلك وسعيد بقناعاتى.

■ صدرت لك رواية خوفا من العادى، حدثنا عنها؟

- خوفا من العادى هى روايتى الأولى والأقرب إلى قلبى، وراء كتابتى لها قصه طريفة، قرأت يوما إعلان عن ورشة لشرح تقنيات كتابة الرواية، مجانية بالكامل وتنظمها واحدة من أكبر دور النشر فى مصر، على كل من يريد الاشتراك فقط إرسال قصة من تأليفه وستختار لجنة أفضل عشر قصص مقدمة، هؤلاء من سيكونون أعضاء الورشة، اعتبرتها مسابقة، أردت تقييم حقيقى لما أكتب، تقدم مائتان مشترك بنصوصهم وكنت واحدا منهم، لحسن حظى كنت ضمن العشر فائزين.

ظننت أن الأمر سينحصر فى شرح عدد من المفاهيم والتقنيات عن الرواية لكننى فوجئت أنها تتضمن كتابة جزء من رواية، بأحد المخاضرات سألنى المحاضر عن مدى تقدمى فى مشروع روايتى، أجبته أننى لم أبدأ بعد ولم أفكر قبلا فى كتابة رواية، قاطعنى بغضب: ولماذا اشتركت؟ وبالطبع لم أستطع الرد.

أول ما وصلت منزلى شرعت فى محاولة لكتابة رواية، دون أى مخططات سابقة أمسكت بالقلم، الغريب أن الأمر قد حدث بسهولة مدهشة، كلما تذكرت الأمر تعجبت، كل يوم أسمك بالقلم وأدون فى سلاسة، قبل الخلود إلى النوم 

أنظر نحو أوراقى وأندهش، أتسأل: كيف كتبت؟، أربع أشهر فقط هو كل ما لزمنى لكتابة خوفا من العادى وتحريرها، أرسلت المخطوطة إلى ناشر فوافق على النشر، ذهبت أنا وزوجتى وطفلى إلى معرض الكتاب والتقطنا الصور كما وعدتهم قبلا مع روايتى، أظن أن هذا اليوم هو أسعد أيام حياتى.

■ كيف ترى الجوائز الأدبية فى مصر والوطن العربى؟

- لا أريد أن أكون سلبيا، الجوائز مهمة للكاتب، ماديا ومعنويا، أى كاتب سيكون سعيدا بحصوله على مبلغ من المال أى كانت قيمته فالكتابة ليست مهنة ولا تحقق أى أرباح مادية، معنويا فالشعور بالتميز أمر مستحب لأى شخص، فاختيار عملك بين عشرات أو مئات الأعمال باعتباره الأفضل أمر مبهج للغاية.

لا أستطيع إنكار أن الجوائز ليست عادلة على الدوام، فالأدب يخضع للذائقة وليس مسألة حسابية محددة النتائج، لذا ليس لزاما أن يفوز الأفضل، الأمر يتعلق بذائقة لجنة التحكيم وأفكارهم وتحيزهم الإبداعى.

بالرغم من أننى أعتبر الكتابة بحد ذاتها هى جائزتى الوحيدة، إلا أننى أشعر بالسعادة كلما رأيت كاتبا متميزا يحصل على تكريم.

■ ما الذى شكل طفولتك ومخيلتك كأديب؟

أعتقد أن كل منا ابن عصره، الثمانينيات مختلفة كليا عن اليوم، عالم بلا إنترنت، ثلاث قنوات تليفزيونية هى كل ما كنا نمتلك، لم أجد شيئا أكثر امتاعا من القراءة لتمرير الوقت خصوصًا فى الإجازة الصيفية.

كما الجميع تعلقت بأعمال نبيل فاروق وأحمد خالد توفيق ثم تعرفت على مشروع مكتبة الأسرة الذى أدين له بكل الفضل وأعتقد أننى لولاه لما أصبحت كاتبا.

أحداث وذكريات الطفولة تشغل حيز من ذاكرة كل إنسان، كثيرا ما أعود إليها وأكتب، بكل عمل من أعمالى جزء من ذاكرتى، طفولتى على الأخص، الذاكرة كنز روائى أنهل منه طوال الوقت.

■ كيف ترى دور النقد والنقاد فى المشهد الثقافى العربى؟

- لن أكون ظالما لأحد، هناك الكثير من النقاد المخلصين للأدب، لست من أصحاب النظريات السلبية، لكن العالم قد تغير، ما كان صالحا فى الماضى ليس مناسبا لليوم، قارئ اليوم مختلف، ودع قراءة المقالات الصحفية وأمتنع عن تصفح الدوريات الثقافية، لن يدفع مقال نقدى قارئ لقراءة كتاب، ربما منشورا بكلمات لا تتجاوز 100 كلمة على الفيس بوك يراجع رواية ما بكلمات سهلة وتعبيرات دارجة يحقق انتشارا أكبر، التفاعل وتبادل وجهات النظر والانتشار فى صالح وسائل التواصل الاجتماعى وليس المقالات الرصينة. أعتقد أن النقد الأدبى سيواكب التطورات عما قريب، قد نرى ناقدا يقدم حلقات على اليوتيوب، أو يتخلى آخر عن المصطلحات النقدية الرصينة ويكتب منشورا عبر الفيس بوك يحلل فيه عمل أدبى بطريقة أكثر عصرية وسلاسة ليكون ملائما للقراء الجدد.

■ حدثنا عن مشروعك الأدبى؟

- منذ روايتى الأولى وأنا أضع نصب عينى عند الشروع فى الكتابة التأريخ لحقبة، أن يكون عملى مرآة لواقع معاش مشتملا قضاياه السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

■ ماذا عن عملك القادم؟

- قاربت الانتهاء من رواية بعنوان» الهروب إلى الظل» وهى ترتكز على علاقة المثقف المصرى بالسلطة عبر 60 عامًا.