أ.د. رضا عوض
ابن شهاب الزهرى
هو أبو بكر محمد بن مسلم بن عبدالله بن شهاب الزُهرى، يرجع نسبه إلى بنى زُهرة بن كلاب، عالم من علماء الحجاز والشام جمع الكثير من العلوم أشهرها علم القرآن والسنة وأنساب العرب، اشتهر بقوة ذاكرته وجودة حفظه. وُلد ابن شهاب الزهرى فى آخر ولاية الخليفة الأموى معاوية بن أبى سفيان رضى الله عنه، وذلك فى عام ثمانٍ وخمسين للهجرة،
وهو ذات العام الذى توفيت فيه أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها.نشأ ابن شهاب الزهرى فقيراً، وأقبل على طلب العلم، حيث إنّه رافق بعض صغار الصحابة مثل: سهل بن سعد الساعدي، وأنس بن مالك رضى الله عنهما، كما أنّه عايش كبار التابعين مثل: عروة بن الزبير، وسعيد بن المسيب، وغيرهما، حتى أصبح أحدُ أكابر الفقهاء والمحدثين والأعلام التابعين بالمدينة، وروى عنه جماعةٌ من الأئمة، منهم: مالك بن أنس، وسفيان بن عيينة، وسفيان الثورى، وهو أوّل من قام بتدوين الحديث النبوى الشريف، حيث إنّ كتب الحديث الستة تزخر بالكثير من أحاديثه المسنده، وكان يحفظ ألفين ومئتى حديث، نصفها مسند، وقد عُرف عنه أنّه كان يسير فى المدينة والصحف والألواح معه، ليكتب كلّ ما يسمع من أحاديث, فعن أبى الزناد: كنا نطوف مع الزهرى ومعه الألواح والصحف ويكتب كل ما يسمع.
رحل الزهرى إلى الشام، عاش فيها، والتقى بالخليفة عبدالملك بن مروان الذى أبدى أعجابه بعلمه الوافر، فخصّص له راتباً من أموال الدولة، وبعد وفاة الخليفة عبدالملك ظلّ الزهرى ملازماً للخلفاء الأمويين الذين حكموا الشام من أمثال الوليد بن عبدالملك، وعمر بن عبدالعزيز الذى قال عنه: «عليكم بابن شهاب، فإنّكم لا تجدون أحداً أعلم بالسنة الماضية منه»، وقد توالى ابن شهاب العديد من المناصب فى عهد الخلافة الأموية، حيث أسند إليه يزيد منصب القاضى فى عهده، كما أسند إليه الخليفة هشام بن عبدالملك منصب تعليم أولاده.وقد أثنى عليه الكثير من العلماء، وفضله الكثير من العلماء على علماء عصره المشهورين، فقد قال عنه الصحابى الجليل أنس بن مالك: «ما أدركت فقيهاً محدثاً غير واحد، فقيل له: من هو؟ فقال: ابن شهاب الزهرى»، وقد قال عنه الشافعى: «لولا الزهرى لذهبت السنن من المدينة». تتلمذ على يدى الزهرى عدد كبير من العلماء، وخاصّة فى مجال الحديث النبوي، من أمثال الخليفة عمر بن عبدالعزيز، وعطاء بن رباح، وقتادة بن دعامة، وقد كان هؤلاء يفوقونه فى العمر، أمّا من تعلم على يديه من أقرانه فهم كُثر نذكر منهم صالح بن كيسان، ومنصور بن المعتمر، وغيرهما، وقد روى عنه الكثير من العلماء من أمثال: يحيى بن سعيد الأنصارى، ومنصور بن معتمر، وعراك بن مالك، وغيرهم..
توفّى الزهرى بعد حياة حافلة بالكثير من الإنجازات العلمية، وذلك فى عام مئة وأربع وعشرين للهجرة، فى شهر رمضان، وهو ابن اثنتين وسبعين عامًا، وقد أوصى أن يُدفن على قارعة الطريق، حتى يدعوا له كلّ من يمرّ بجانبه.