يوم من عمره (٨)
هذا العام أكون قد بلغت من العمر ستين عامًا بالتمام والكمال، رحلة طويلة بدأتها عام ١٩٦٣ متسلمًا الراية من أبى والذى ولد قبل هذا العام بأربعة وثلاثين عامًا وتحديدًا عام ١٩٢٩، وخلال حياتى الطويلة نسبيًا لم أتغير فى الشكل ولا فى أسلوب العمل، ربما زاد حجمى فى بعض الأوقات وفى أوقات أخرى، كان وجودى ثورة حقيقية فى عوالم ومجالات كثيرة، فمن خلالى استطاع ملايين من البشر التعرف على الفنون المختلفة كما استفادوا بإمكانياتى فى تحصيل العلوم أيضًا، كنت رفيقهم فى المنازل وفى المتنزهات وفى السيارات أيضًا، كنت أحيانًا أحمل رسائل الأهل والأصدقاء عبر البلدان المختلفة، أتذكر فرحة العائلة عندما كنت أحمل لهم رسائل أب مسافر أو قريب بعيد، وأتذكر حزنهم إذا حدث لى مكروه، أتذكر أيضًا حالات لم أكن فيها على ما يرام وكنت أحتاج إلى تدخل خارجى لأعود إلى حالتى الأصلية، أحيانًا كان الأمر يحتاج إلى عملية جراحية يتدخل فيها البعض مثلما يحدث الآن فى عمليات القلب المفتوح، كم من الوقت كانت حالتى ميؤوس منها ولكننى كنت أسبب بهجة شديدة للأطفال الذين كانوا يلهون بى بطُرقهم الخاصة.
تسببت فى الثراء للعديد من الأشخاص ومن الشركات أيضًا ولكن مع انتصاف العقد الأخير من القرن العشرين ظهر لى عدد من المنافسين من الأجيال الجديدة، أكثر صحة وقدرة على إمتاع الجميع بلا كلل أو ملل ثم ظهرت شبكة الإنترنت فتراجع الاهتمام بى بصورة كبيرة، اليوم أصبحت من الماضى ولم يعد لى ذكر إلا فى قصص الماضى كتراث وكشاهد على حقبة ماضية من التاريخ البشرى، حاليًا مازلت موجودًا فى أغلب المنازل ولكن يعلونى التراب المتراكم ولا يرغب أحد فى التخلص منى بالرغم من عدم الاستفادة منى لسنوات عديدة، ربما لأننى أُذكرهم بالماضى الجميل الذى يحنون إليه دائمًا.
منذ أيام قليلة تذكرنى البعض وتذكر رحلتى الطويلة خلال تلك العقود الستة، أحمد الله على أن الجميع ما يزال يكن لى الكثير من الاحترام والود، منذ عدة أيام تذكرت أخى الأصغر الذى توارى أيضًا إلى الظل بعد الهجوم التكنولوجى الأخير، أنا راضٍ تمامًا عما قدمته قبل أن تتم إحالتى للمعاش وأشفق على زملائى الجدد فلن يستطيع أى منهم أن تنتهى حياته عند هذه السن كما حدث معى. من مذكرات شريط كاسيت قديم.