الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
التابعى يبيع ساعته الذهبية بجنيه!

التابعى يبيع ساعته الذهبية بجنيه!

وأخيرًا تحقق حلم السيدة روزاليوسف بأن تصبح مجلتها مجلة سياسية بعد أن وافق رئيس الوزراء وقتها «أحمد زيور» باشا على منحها رخصة سياسية للمجلة!



وتمضى روزاليوسف فى ذكرياتها الصحفية المنشورة فى عام 1938 فتقول: كانت فرحتى بهذا التوفيق فرحة لا تقدر وتستحق فسحة على قد الحال، ولكن أين أجد الفلوس؟ دخلت على الجماعة فى البدرون - مقر المجلة - فعجبوا من أننى مبسوطة هذا الانبساط الذى ليست له مناسبة، وكنت أكتم عنهم جميعا خبر النصر الذى أحرزته.

وسرعان ما سرت العدوى إلى الجميع، وانفتحت نفس الأستاذ «التابعى» على آخرها ورمى فجأة بعلبة السجائر التى على قد الحال برضة! وقفز واقفا ليخبرنا فى لهجة حازمة بأنه سيأتى لنا بقرشين من تحت الأرض «نبل بها ريقنا» فى هذه الليلة، وغاب التابعى وعاد يحمل فى يمينه ورقة من فئة الجنيه، فقبالناه صارخين ولكن كيف جرت الأعجوبة؟!

تأملت التابعى من فوق لتحت وبالعكس، فإذا بى أرى معصمه خاليا من الساعة - ساعة اليد - وهى ساعة ذهبية كانت عنوان وجاهته فى كل مكان وكانت لها بركات فى أن تجعل الناس يحسنون الظن بالمجلة وبمن يكتبون فيها.

وكانت ليلة لم يأت منتصفها إلا وكان «الجنيه» يلفظ النفس الأخير، ويا رفاق الجهاد الأول أحييكم متواضعين ومأزومين وأحييكم كبراء وموسرين!

وعلى الفور قررت روزاليوسف أن تنشر إعلانا فى المجلة تحيط القراء علما بهذا الخبر الجديد فكتبت تقول:

رخصت لنا وزارة الداخلية بإصدار جريدة سياسية أسبوعية تحمل اسم «روزاليوسف»، وإدارة المجلة توالى الآن إعداد المعدات للقسم السياسى، ونريد هنا أن نلفت نظر حضرات القراء إلى أن صبغة المجلة «الفنية الأدبية» باقية كما هى، وأن القسم السياسى لا يؤثر بحال من الأحوال على أبواب المجلة ولونها الحالى.

وتسترسل السيدة روزاليوسف قائلة:

كم كانت شاقة مرحلة الانتقال من الأدب الرشيق إلى ما هو رشيق فى عالم السياسة، بين دنيا الصالونات والمسرح والنوادر، وبين الدنيا السياسية بمسئوليتها الجنائية وغير الجنائية، مرحلة وعرة مليئة بالمخاوف والأهوال كان علىّ أن أجتازها بأقدامى الصغيرة، ولا ناصر لى من رجال أو مال إلا حفنة من أصدقاء أوفياء، أو من مدعى الصداقة والأنفس قانعة مطمئنة وإيمان بالله، وعقيدة فى جلال المهمة التى شاءت نفسى باختيارها أن تتولاها.

وباسم الله وفى سبيل مصر بدأت أسعى سعيا حثيثًا بأقدامى المضطربة كالأعمى يتلمس الطريق بقدميه.

كانت العقبة الأولى هى إيجاد شخص ابن حلال يتولى تحرير القسم السياسى بالمجلة، وأقصد بابن حلال فى هذا المقام الشخص الذى يشتغل من غير أن يأخذ أبيض ولا أسود حتى تنفرج الحال وتصل إلى «أرص المعاد» وهى أرض عقدنا عليها أحلام الذهب وتخيلنا أديمها مفروشا بعلب السجائر ولقم الساندويتش وقطع الحلوى وغيرها من المتع التى يتخيلها الجائع الطروب حينما يحلم بسوق العيش!

وقد سبق لى أن قلت إن صديقى «التابعى» أبدى رفضه مرتين أن يكتب فى السياسة أو أن يدخلها من عقب الباب ويقول: «لا يا ستى أنا لا أحب السياسة ولا السياسيين»!!

ولم يكن لى والحالة هذه إلا أن أبحث عن سواه ليقوم بهذه المهمة، وبعد البحث والتنقيب عثرت على ضالتى فى الأستاذ «حبيب جاماتى» واستمر الأستاذ التابعى رافعا راية الأدب الرشيق فى سائر أبواب المجلة!

وفى أول الأمر احتفظت المجلة بطابعها وشكل غلافها ونوع المواد فيها، عدا الأبواب السياسية التى أضيفت إليها والتى كان يحرر معظمها الأستاذ «حبيب جاماتى» بإمضاء «رقيب»!

وللذكريات بقية!