الوعى والفعل

نتحدث كثيرًا عن الوعى وأهميته, وذلك كلما مرت بنا قضية ووجدنا أن فهمها مفقود أو منقوص، نستخدمه كثيرًا أيضًا كحل وكإجابة عن كيفية التعامل مع شبكات التواصل الاجتماعى وما ينشر فيها من أخبار متعددة، نستخدمه أيضًا عند الحديث عن كيفية التعامل مع شبكة الإنترنت ومخاطرها المختلفة، ولا يتوقف استخدام الوعى كحل لباقى القضايا التى نتعرض لها فى المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وحتى الدينية، ولكن هل نتحرك إلى مربع الفعل أم نستمر دائمًا فى منطقة التحليل والتنظير بدون تحرك حقيقى؟

السؤال السابق ليس سؤالًا حقيقيًا لا نعرف إجابته، فالحقيقة أننا جميعًا نعرف الحلول ولكن لسبب أو لآخر لا نقوم بالفعل، الجميع يعرف مخاطر استخدام شبكة الإنترنت خاصة على الأطفال والنشء، نعرف العشرات من المواقف اليومية التى يتعرض لها هؤلاء الأطفال بين تنمر وتحرش وإصابة بالتوتر والانعزال والتوحد وقلة القدرة على التركيز وإهمال المذاكرة وقلة الحركة واضطرابات النوم وصولًا إلى تغيير الأفكار والمبادئ والمعتقدات, ولكن ماذا بعد تلك المعرفة؟ استهداف الأطفال والشباب صغار السن فاقت كل الحدود، منذ عدة أيام أهدت مقطعًا مصورًا صغيرًا تتحدث فيه شابة لا يتعدى عمرها الخمسة عشر عامًا، تحدثت كثيرًا عن تقنيات تغيير الصور والفلاتر والتزييف العميق Deep Fake، وفى نهاية الفيديو أشارت إلى أن سنها الحقيقية ليست كما تبدو وأن الفلاتر التى جعلتها تبدو كذلك، ثم قامت بإزالة الفلتر المستخدم، وهنا ظهرت سنها الحقيقية التى لا تقل عن خمسين عامًا بأى حال من الأحوال.

هذا الزيف العميق وفى هذه الحالة بالذات له تأثيرات فى غاية الخطورة، فالأطفال يميلون إلى التقليد وإلى الاهتداء والاطمئنان إلى أقرانهم من الأطفال، فعندما تقوم الطفلة المزيفة بأى فعل خارج أوغير مناسب لسنها ويراها أطفال آخرون فإنهم سيعتقدون أن ما تقوم به طبيعي لسنهم بل ربما يشعر البعض بأنهم متأخرون جدًا عن القيام بنفس الأفعال.

ولا يقتصر الوعى والحديث عنه على الأطفال وصغار السن، الوعى مهم للجميع، يكفى أن نعرف أن معدلات الاختراقات السيبرانية وجرائم اختراقات الحسابات ومنها الحسابات البنكية تحدث لكبار السن بمعدلات ونسب أكبر بكثير مما يحدث للصغار.

الأمر خطير ومهم ويحتاج إلى خطط تفصيلية فى مربع العمل, وذلك بعد أن قضينا سنوات عدة نتحدث عن الوعى بمخاطر العصر الرقمى ردًا على كل سؤال يتعرض لذلك.