الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

قضية سنبل

رحلة اكتشاف الكوميديانات الجدد فى محاكمة شعبية ساخرة

فى عروض لمواسم متقطعة بدأت منذ عام 2018 واستمرت حتى 2023 على مجموعة متنوعة من المسارح منها مسرح الجامعة الألمانية، ومسرح الجامعة الأمريكية، ومسرح الفلكى، ووزارة الشباب والرياضة ومسرح طيبة وأخيرا مسرح الهوسابير، استطاع العرض المسرحى «قضية سنبل» أن يحقق نجاحا كبيرا بالرغم من ظروف إنتاجه التى تعتمد بشكل كبير على الجامعة، فالعرض تابع بالأساس للجامعة الألمانية تحت قيادة المخرج وليد طلعت وبالتالى لا يمتلك هؤلاء الشباب مسرحا بعينه بل قدموا عروضهم على تلك المسارح سالفة الذكر لأيام معدودات، وبرغم هذه الأيام غير المتصلة حقق العمل صدى ونجاحا جماهيريا كبيرا، قد لا ينتاسب مع حجم إنتاجه وأيام عرضه القليلة. 



«إننى أكتب فقط إلى الذين يشاركونى فى أنه من الممكن انقاذ الإنسان من أنياب الإنسان»..فريدرش دورينمات.. «قضية سنبل» مأخوذ عن مسرحية «قضية ظل الحمار» لفريدرش دورينمات والتى قدم فيها دورينمات نموذجا ساخرا لنقد المجتمع وأخلاقياته وشكل الصراع الذى تديره المصالح بالدرجة الأولى على أتفه الأشياء، فى «قضية ظل الحمار» يستأجر طبيب أسنان حمار من تاجر الحمير، يصاحبه هذا التاجر ليرشده على البلدة التى هو بصدد التوجه إليها ومن تعب وإرهاق الطريق يقرر الطبيب الجلوس فى ظل الحمار كى يستريح قليلا، يثور التاجر ويطالب الطبيب بدفع إيجار إضافى لاستغلاله ظل الحمار، الطبيب يرفض ويشتد الصراع بينهما إلى أن يرفع التاجر قضية ضد الطبيب لامتناعه عن الدفع للانتفاع بظل الحمار!

تنبع الكوميديا من اليأس من وضع قائم وبالتالى لابد أن تكشف تناقضات هذا الوضع.. هكذا صاغ دورينمات فلسفته فى صناعة الكوميديا، فى «قضية سنبل» قدم لبيب عزت إعدادا مسرحيا أقرب للفرجة الشعبية أو إن شئت الدقة أقرب للمسخرة والمهزلة الشعبية، مهزلة تناسب نوع وشكل القضية التى تعتبر فى حد ذاتها مهزلة إنسانية.. فرجة تناسب مجتمع تعرى أمام ذاته ليشاهد كل منتمى إلى طبقة من طبقاته مدى التفاهة فى اختلاق وافتعال معركة من اللاشيء، فهذا المجتمع قرر أن ينسج من اللاشيء قضية كبرى، لتتحول إلى قضية رأى عام، يتكشف الانحطاط الأخلاقى بالتدريج بهذا المجتمع على اختلاف طبقاته، انقسمت البلدة إلى أحزاب جانب مع الطبيب يبذل كل ما فى وسعه لإثبات أحقيته فى استغلال ظل الحمار والجانب الآخر مع التاجر وهم طبقة الفقراء يرون أنه من حقه الحصول على أجرة ظل حماره، فى هذه المعالجة المسرحية الممتعة صاغ لبيب أنماط هذا الشعب بشيء أقرب للمبالغة فى أسلوب رسم الشخصيات والذى ساهم بقدر كبير فى تقديم مواهب كوميدية متعددة لهؤلاء الشباب أظهرها الإعداد الثري، رسم شخصيات سنبل فى شكل أقرب للكاريكاتيور أنماط هزلية شديدة المبالغة فى ممارسة سلوكها سواء المنتمين لطبقة الأغنياء أو الفقراء أو المثقفين، من هذه المبالغة الشديدة تفجرت الكوميديا بعرض «قضية سنبل» والتى كانت أشد امانة وابداعا فى حمل فلسفة دورينمات وصياغتها، خاصة فى مشهد النهاية، مشهد النطق بالحكم الذى يقرر فيه القضاء استمرار حبس الحمار رغم أنه كائن مغلوب على أمره يكتب هذا الحمار رسالة للقاضى بأنه هو من يريد رفع قضية على الإنسان يقول فيها..» ارفع دعوة على الإنسان ...لاختفاء المشاعر الطيبة وتغيير الحقائق واتهامى أنا الحمار إنى صاحب البلاء.. انا مجرد حمار.. أعرف الطريق إذا تاه صاحب الطريق»!

ضل هنا صاحب الطريق طريقه لينحرف وينجرف فى صراع طبقى فضح تشوه المجتمع بأغنيائه وفقرائه ورجال الدين والمثقفين فى هذا الصراع نرى شح الأغنياء وجشع الفقراء واستغلال من حولهم جميعا لانحيازات كل فريق، شرح دورينمات المجتمع ببساطة وعمق وسخرية تبعه المعد فى إبراز هذا التشريح والبساطة بإبداع كبير، وكذلك المخرج وأبطال العرض حيث أدار وليد طلعت بمهارة واحتراف مجموعة كبيرة من المواهب والكوميديانات الشباب متعددى التوجهات والإنماط، برغم عددهم الكبير على المسرح إلا أن وليد استطاع إخراجهم جميعا فى وحدة واحدة لعبوا على قلب رجل واحد خاصة فى المشاهد الجماعية أدارهم المخرج بروح المايسترو فلم يكن هناك عنصر شاذ عن الآخر، وإن تفاوتت مستويات الكوميديا التى قدمها كل منهم على حدى، كل فرد يعزف نغمة ويقدم نمطا كوميديا اتقنه بخفة وذكاء ثم يضبط المخرج كل هذه النغمات غير المتشابهة حتى خرجت علينا لتفصح عن نفسها وجوانبها المتنوعة فى عمل مسرحى واحد، كان أبرز أبطال العرض وربما أكثرهم مهارة فى لعب الكوميديا بروح كوميديان محترف مروان فارس فى دور القاضى لعب فارس دوره بثقل كبير كان ضابطا للإيقاع بهذا العرض قدم شخصية القاضى بأداء من احترف الكوميديا ومارسها لسنوات طويلة من الخبرة وليس بروح شاب هاو، شاركه المهارة وقوة الحضور أمجد شاوشى فى دور الحداد، ندى الرزاز زوجة الحمار، عمر الشناوى فى دور الحمار، عمرو أشرف محامى الديوك، كامل الشافعى محامى الضفادع، مساعد الحداد يوسف علي، الكاهن شريف غانم، بائعة الورد شهد عبد الملاك، زوجة الدكتور مريم عمر، الدكتور أحمد يسري، الراقصة لوجين، القرصان محمد رأفت، بائع العسل جورج غالي، خطيبة القرصان أمينة عمر، المدعى العام محمد عطوة، مستشار1 وليد سامح، مستشار2 محمد عبد المجيد، الحمار سنبل محمد حبيب، يعتبر «قضية سنبل» نموذجا يحتذى به فى صناعة مسرح أساسه الإبداع الفكرى واكتشاف المواهب فالعرض لم يعتمد على الإبهار البصرى فى الملابس والديكور بقدر اعتماده على ابراز مواهب مبدعيه.