بعد غيابه

منذ انطلاق أغنية «رمضان جانا» للمطرب محمد عبد المطلب ومن كلمات حسين محمد وألحان محمود الشريف فى عام 1965 ويعتبرها الجميع بمثابة إعلان آخر بعد إعلان دار الإفتاء المصرية لرؤية هلال الشهر الكريم،«رمضان جانا وفرحنا به بعد غيابه وبقاله زمان»، الأغنية منتشرة فى كافة محطات الراديو وعلى شاشات التلفاز، نستمع إليها أيضا فى كافة المحال التجارية التى تقوم ببيع السلع المختلفة ومنها ما يرتبط ارتباطا وثيقا بالشهر مثل محال بيع الياميش والفوانيس.

بهجة مستمرة تنتشر فى أنحاء البلاد، لا تنتهى إذاعة تلك الأغنية إلا مع قرب نهاية الشهر حيث تتسلم منها الراية أغنية أخرى «تم البدر بدرى» كلمات عبد الفتاح مصطفى وألحان عبد العظيم محمد وغناء الراحلة شريفة فاضل «والله لسه بدرى يا شهر الصيام».

أغنية شريفة فاضل بها من الشجن والتأثر من انتهاء الشهر وبها أيضا إشارة الى انقضائه سريعا «والأيام بتجرى»، والحقيقة أن هذا الشهر غريب بالفعل، فبعد أول ثلاثة أيام فقط نجد أن الشهر يجرى بالفعل، ما هى إلا أيام قليلة ونجده قد انتصف، ثم ما نلبث أن نجد ليلة القدر قد أتت ثم نجد أجواء العيد قد أتت.

هذه السرعة لم نكن نشعر بها فى السابق بين رمضان ورمضان، فالحسابات تقول إن بين رمضان ورمضان يكون قد مر عام هجرى كامل، ينقص عن العام الميلادى بأحد عشر يوما فقط، أى حوالى 355 يومًا ولكن الحقيقة أن الشعور بالزمن هو أمر نسبى، يختلف باختلاف العمر، فالصغار يشعرون بالعام شعورا كاملا وكلما تقدم المرء فى السن يشعر بأن الأيام تمر أسرع من ذى قبل، وهو ما يجعلنا نشعر أن رمضان يأتى ربما كل ستة أشهر أو أقل، والحقيقة أن هذا الأمر ليس مرتبطا بشهر رمضان فقط، فالعام الميلادى ينتهى ويأتى آخر بسرعة كبيرة ليست كما كنا نعتاد عليه فى الصغر، أمر آخر مرتبط بالحديث النبوى الشريف عن تقارب الزمان والإحساس به، وفى جميع الأحوال فإن هذه المعدلات المتسارعة تجعلنا فى تحد كبير وتجعلنا فى حاجة إلى المزيد من التسامح والرضا وفعل الخير، فالتسويف خطير، والاعتماد على الزمن خادع، التسامح وفعل الخيرات لا يجب أن يرتبط بتوقيتات أو أيام، لا يجب أن نربط الخير بمواعيد، فربما لا نعيش حتى نصل إلى أى ميعاد وضعناه من قبل، فالمثل الصينى يقول: إن أفضل وقت لزراعة شجرة كان قبل عشرين سنة، وأفضل وقت بعد ذلك هو اليوم، وهو أفضل وقت لفعل الخيرات والتسامح أيضا.