الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
أنت والمسلسلات.. ذنبك على جنبك!

أنت والمسلسلات.. ذنبك على جنبك!

بدأت حيرة ومشكلة كل سنة عندما يأتى شهر رمضان الكريم حاملًا معه عشرات المسلسلات التليفزيونية ويكون السؤال الخالد: ماذا أشاهد وماذا لا أشاهد؟ ومن أين آتى بالوقت لمتابعة خمسة أو ستة مسلسلات بخلاف البرامج الخفيفة الظريفة أو البرامج السمجة السخيفة؟



منذ نصف قرن تقريبًا كان هذا السؤال يشغل بال وتفكير الكاتب الكبير الأستاذ أحمد رجب وبعد تفكير طال خرج علينا بمقال عنوانه «سلسل.. يسلسل» قال فيه:

كما أن فى الإنسان غريزة حب القتال التى تدفعه إلى الزواج! ففيه غريزة حب الحواديت التى تدفعه إلى مشاهدة المسلسلات!

وفى رأيى أن كل إنسان يجب أن يتحمل وحده مسئولية مشاهدة هذه المسلسلات ما دام قد جلس أمام التليفزيون بمحض اختياره دون إكراه ودون أن يخلع له أحد أظافره أو ينفخه وليس من حقه بعدها أن يشكو من السلوك العدوانى الذى تعرض له وأن يتقبل جميع الأفكار الناجمة عن الاضطرابات العقلية لطائفة مؤلفى المسلسلات!

فهذا ممثل يصيح بلا سبب وهذا يتشنج بلا مبرر وذاك يقطع الغرفة جيئة وذهابًا ثم يتوقف محملقًا فى الهواء قبل أن يرد تحية ألقاها عليه ممثل آخر من دقيقتين، والجميع لا يتحدثون- ككل البشر- وهم يقفون وجهًا لوجه بل يتخاطبون وكل منهم يعطى للآخر قفاه!

فإذا ارتضى إنسان أن يقتطع من وقته ليتفرج على هؤلاء وما يفعلونه فبأى حق يشكو بعد ذلك العدوان على عقله؟!

إن مسلسلات التليفزيون ليست بدعة حديثة بل هى نشأت فى المجتمعات الاولى عندما كانت الارواح الشريرة تتقمص إنسانا فيهذى بكلام فارغ وهى حكايات بالغة الغرابة والشذوذ، ولا تزال المسلسلات العربية يظهر فيها رمز لهذا الإنسان الذى تتقمصه العفاريت، فنرى فى المسلسل رجلا فى دور أبله مجذوب يطوف الحى ويطبل على صفيحة ويقول كلاما غامضا وأحيانا يخلو المسلسل من هذا المجذوب وكلامه اكتفاء ببلاهة المؤلف!

ومهما قيل عن المسلسلات وسوءاتها فقد لعبت هذه المسلسلات دورا مهما فى تقدم الطب العقلى، فهناك مثلا مستعمرة فى الصحراء أقامتها جمعية مرضى الشذوذ العقلى إذ تترك نزلاءها يؤلفون المسلسلات!

وبدراسة هذه المسلسلات يصل الطبيب اللماح إلى مكمن الخلل فى عقل المريض، وأكثر المسلسلات نكدا وغما هى تلك التى يكتبها مرضى يحملون عداء سافرا للمجتمع ويؤثرون الانسحاب منه مع احساس قوى بالتشاؤم يدفعهم إلى إنهاء المسلسل عند الرقم 13.

لقد كتب أستاذنا أحمد رجب مقاله الساخر فى زمن التليفزيون الأبيض والأسود ومن سوء بخته أنه عاش ورأى المسلسلات ذات الاجزاء المتعددة، والدراما الهندية والمكسيكية التى تتعدى حلقاتها الألف، وربما كان زحام هذه المسلسلات التى أكثر من الهم على القلب هى التى جعلته يعتزل الكتابة الساخرة الرائعة عن المسلسلات وأحوالها! وياعزيزى المشاهد: ذنبك على جنبك!