الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
ذكريات الرافعى  وأول مرة إذاعة!

ذكريات الرافعى وأول مرة إذاعة!

ذات يوم قبل 83 سنة قرر المؤرخ الكبير الأستاذ عبدالرحمن الرافعى أن يخوض تجربة الحديث فى الإذاعة المصرية لأول مرة وأن يكون حديثه فى ذكرى الزعيم الوطنى مصطفى كامل «عبر الراديو بدلا من الصحف أو الخطب فى المحافل، ويقول: «رأيت فى هذه الوسيلة تعميما للحديث فإن الذين يحبون أن يستمعوا إلى الراديو أكثر ممن يحبون القراءة فى الصحف اوالمجلات وهم من باب اولى أكثر عدد ممن يسمعون الخطيب فى اجتماع مهما كان كبيرا إلا إذا أذيع بالراديو!!



وما أذكره عن أول إذاعة لى إنى قبل موعدها بشهر تقريبا كتبت إلى وزارة الشئون الاجتماعية التى كانت تتبعها الإذاعة خطابا بإبداء رغبتى فى إلقاء حديث عن «مصطفى كامل» لمناسبة ذكرى وفاته، فرحبت الوزارة بطلبى، واتفقت مع دار الإذاعة - وكانت لا تزال شركة بريطانية على تحديد الموعد الذى طلبته لإذاعة حديثى!

وقبل الموعد بأسبوع جاءنى خطاب من مراقب عام الإذاعة يدعونى فيه إلى الحضور إلى دار الإذاعة فى الساعة العاشرة والنصف من صباح الجمعة 9 فبراير للتمرن على الميكروفون فاستغربت من هذا الخطاب وابتسمت وأنا اقرأه وقلت يا عجبا؟ هل يكون الكلام فى الميكروفون أصعب من المرافعات أمام المحاكم أو الخطب فى المحافل؟!

وعلى كل حال فقد لبيت الطلب وذهبت إلى دار الإذاعة فى الموعد المحدد للتمرين، وقابلت «سعيد بك لطفى» وهو صديق وزميل لى وقلت له مبتسما: ها أنذا قد حضرت لأداء الامتحان؟ فضحك وقال: لا تعجب لذلك فإن الكلام فى الراديو غير الكلام فى المحافل أو المحاكم، إننا نريد أن يكون حديثك ناجحا وخصوصا وهذا أول حديث لك فى الراديو، فلابد أن تعرف طريقة الكلام فى الراديو ودرجة علو الصوت أثناء إلقاء الحديث، والمسافة التى يُحسن أن تكون بينك وبين الميكروفون وما إلى ذلك من الملاحظات الفنية!

قلت له: حسن وأنا مرتاح لأداء الامتحان ودخلت مع الموظف المختص إلى غرفة الميكروفون، وهى غرفة ضيقة مقفلة الأبواب والنوافذ، وأشار علىّ بأن يكون صوتى هادئا لا عاليا ولا متهدجا، وأبدى بعض الملاحظات الفنية، وكان الحديث مكتوبا ووافقت عليه الإذاعة من قبل!

فجلست أمام الميكروفون فى الموضع الذى حدده لى المذيع وأخذت فى إلقاء الحديث، وأخذ هو يسمعه وحده من سماعة وضعها على أذنيه، فبدا لى وهو يسمعه إنه مرتاح لطريقة إلقائي، وبعد أن ألقيت ربعه أو ثلثه قال لي: كفى يا بك إنك تلقى حديثك بأبدع ما يمكن، فقلت: الحمد لله لقد نجحت فى الامتحان!

وفى اليوم المحدد لإلقائه - مساء السبت 10 فبراير سنة 1940 - ألقيته على الطريقة التى أديتها يوم الامتحان، واستمع الناس له فى مختلف المدن والمقاهى والمنازل وسمعت إعجابا به من كل ناحية، وقال لى بعض أصدقائى الفنيين إنك فى الميكروفون أخطب منك فى المحافل! وقالوا لى بهذه المناسبة إنه قد يكون الإنسان من أعظم الخطباء ولكن صوته فى الراديو لا يكون مرغوبا فيه! والعكس بالعكس وأن صوتك وطريقة إلقائك منسجمان تماما مع الراديو!

وقد لاحظت أن الإذاعة بالراديو أعم من الكتابة فى الصحف ومن الخطابة فى المحافل إلا إذا أذيعت الخطابة بالراديو!

وهذا ما دعانى إلى أن أتابع أحاديثى فى الراديو فأخذت منذ ذلك العام أذيع كل سنة حديثين الأول فى ذكرى مصطفى كامل، والثانى فى ذكرى «محمد فريد» عدا ما تطلبه الإذاعة من أحاديث فى مواضيع أخرى.

وستظل كنوز الإذاعة منجما عظيما لمن يعرف قيمته!