الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا
خطة روزاليوسف للهروب من أصحاب الديون!

خطة روزاليوسف للهروب من أصحاب الديون!

انتهت زيارة السيدة روزاليوسف إلى باريس والتى استمرت ثلاثة شهور وعادت إلى مصر تحمل معها آراء جديدة، خاصة بعد أن أدهشها الدور الذى تقوم به المرأة الفرنسية فى الحياة العامة.



وتعترف روزاليوسف قائلة: عدت وأنا أحس بجرأة جديدة تملأ قلبى وعزم شديد يتولانى وحرية فى التفكير تشغل رأسي، فكان أن ارتفعت حرارة تعليقاتنا السياسية بعض الشىء، وخرجت إلى معالجة الشئون السياسية والحزبية فى نطاق أوسع، فازداد دفاعى عن «سعد زغلول» قوة، وما كان قبل ذلك ضعيفًا.

وأخذت أجاهر بمظاهر عظمته، وهى مظاهر طالما شغلتنى وكانت تدفعنى إلى مطاردة «سعد» فى كل حفل يخطب فيه، ولم أعد أخاف أن أصرح برأيى فيمن يحيطونه من رجال الوفد، فانتقدت بعض تصرفات المرحوم «فتح الله بركات» و«على الشمس» وأخذ الناس يتحدثون عن المجلة!

وفى أحد الأيام حمل لى كبير من المتصلين بالزعيم أن الباشا «سعد زغلول» صرح بأن المجلة دمها خفيف وأن الكلام اللى بتقولوا صحيح!

وهنا تملكنى الزهو ولم أفق منه إلا بعد أيام قضيتها وأنا لا أكاد أكلم أصدقائى فى التحرير إلا بالإشارة، وطالبت الجميع بأن يستبدلوا كلمة «ست» فى مخاطبتى بكلمة «أستاذة» الأستاذة «روزاليوسف» وهو لقب سبق أن منحنى إياه الأستاذ «إبراهيم رمزى»! - الناقد والكاتب المسرحى-. 

إلا أن الأستاذة «روزاليوسف» كانت تخلع أستاذيتها فى كل يومين أو ثلاثة حسب الظروف، حينما كنت أضطر مع الأصدقاء إلى مراجعة جغرافية الخط الذى نسلكه ونروح فيه ونجىء!! وتحكى روزاليوسف حكاية «جغرافيا الخط» بقولها:

كنت كما كان أصدقائى ولا فخر من أصحاب الديون بحكم أن الأزمة المالية تصاحبنا لوجه الله منذ أن اشتغلنا بالصحافة، وكانت مطالبة الدائنين شديدة لا تنقطع، وكانت وعودنا ومعاذيرنا أيضًا كثيرة ولا تنقطع، فالأستاذ التابعى له حسابات جارية وديون نائمة عند بائعى السجاير وأحمد حسن مدين بما يمتلئ به كرشه لبائعى الساندويتش وله علاقات خفية مع بائعى السجائر النقالى، وأنا مدينة لصانع الأحذية والمكوجى بعيدا عن المنزل، بعد أن أقسم المكوجى الذى تحت العمارة التى أسكنها ألا يستلم شيئا للمكوجى إلا إذا أخذ أجرته مقدمًا على داير مليم، أما «إبراهيم خليل» فكان يخاف من كل الناس، فإذا سألته عن علة هذا الخوف أجاب: كدة!! ثم يهز رأسه ويمشى خافت الخطى زى القط!!

وكان لا بد من أن نروح ونجيء وكان لا بد لأصحاب الديون من أن يضيقوا علينا الخناق ويصرخوا بديونهم فى وجوهنا فماذا نعمل؟!

كنا نجتمع فى جلسة فوق العادة ونرسم خطة السير، خطة آمنة لا تعرضنا لأنظار وألسنة الدائنين، فكنا نختار الشوارع والحارات التى نجتازها دون أن يتعرض للنظرات الحادة والأصوات العالية، ولم يكن يهمنا ما نتكلفه فى سبيل ذلك من اللف والدوران والانتقال من رصيف إلى رصيف!

فكنا فى بعض الأحيان إذا ما حكمت الظروف بأن نمر فى مكان فيه أكثر من دائن لنا نمشى الواحد خلف الآخر كخط من خطوط النمل، يتقدمنا الأستاذ «التابعى» باعتبار أنه خفيف الرجل رشيق الحركة واسع الحيلة، ونحن نحاذر ونتعمد الابتعاد عن مواطن الضوء!

هذا منظر لا أنساه ولا أخجل من تسجيله وروايته كلما رجعت بالذكرى إلى تلك الأيام لأنه يمثلنى مغامرة جريئة فى مرحلة من مراحل جهارى، كنت أسير فيها وصدرى وجيبى خاليان إلا من الحلم الكبير والعقيدة الصادقة والأمل البعيد.

وللذكريات بقية!