الأحد 28 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
 الصوم عن الكلام

الصوم عن الكلام

فى السابع من سبتمبر من عام 1931 توقفت السفينة راجيوتانا والتى كانت  تقل الزعيم الهندى الكبير المهاتما غاندى فى مدينة بورسعيد، وذلك أثناء رحلتها من الهند إلى لندن لحضور مؤتمر المائدة المستديرة لمحاولة عرض القضية الهندية وايجاد حلول لها، والطريف ان غاندى فى توقفه هذا لم يتمكن من النزول إلى أرض مصر حيث منعته السلطات الانجليزية من القيام بذلك ولكن على الجانب الآخر قام عدد كبير من المثقفين والشخصيات العامة فى مصر ومنهم الزعيم مصطفى النحاس رئيس حزب الوفد بالصعود إلى متن السفينة ومقابلة الزعيم الكبير حيث ألقى النحاس كلمة رحب فيها بالضيف باسم مصر وأشار الى ان مصر تخوض نفس المعركة من أجل الاستقلال ايضا، كما حضر اللقاء أمير الشعراء احمد شوقى وألقى قصيدة كانت بدايتها «بَنى مِصرَ اِرفَعوا الغار وَحَيّوا بَطَلَ الهِندِ وَأَدّوا واجِباً وَاِقضوا حُقوقَ العَلَمِ الفَردِ أَخوكُم فى المقاساةِ وَعَركِ المَوقِفِ النَكدِ وَفى التَضحِيَةِ الكُبرى وَفى المَطلَبِ وَالجُهدِ»



والحقيقة أن هذه المقابلة والتى يقال إنها قد استغرقت حوالى ثمانى ساعات يكتنفها الغموض بخصوص ما قاله الزعيم غاندى، فالبعض أشار إلى أنه تكلم واستفاض والبعض الآخر يؤكد أنه لم ينطق بكلمة واحدة حيث إن هذا اليوم قد تصادف ان كان صائما عن الكلام.

والصوم عن الكلام ربما يكون أحد اساليب التعبد والانفصال عن البشر ولكن فى المفهوم الإسلامى فإن الأمر يختلف، فالصوم يجب أن يكون عن الكلام البذىء أو الضار أو التافة فى جميع الأحوال ولا يجب أن يكون الصوم عن الكلام الجيد أو النصيحة، وما كان امتناع سيدنا زكريا عن الكلام ثلاثة أيام الا علامة على استجابة الله لدعائه وذلك كما جاء بالآية 41 من سورة ال عمران «قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّى آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا  وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ» 

اما الأمر الإلهى لمريم ابنة عمران فى الآية 26 من سورة مريم «فَكُلِى وَاشْرَبِى وَقَرِّى عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِى إِنِّى نَذَرْتُ لِلرَّحْمَٰنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا»، فهو امر بالاعراض عن الجاهلين الذين لم ولن يقتنعوا بما قدره الله لها وعليه فإن الأمر من الله جاء حماية من الدخول فى دوائر من الجدل لن تنتهى، وقوله تعالى «فقولى أنى نذرت للرحمن صوما» معناه أن تقوم بالإشارة وليس بالقول.

وفى جميع الأحوال فإن الأمر بالصوم عن الكلام ليس مطلقا وليس مذكورا بالمعنى الذى يفسره البعض، فللواقعتين ظروفهما الخاصة ولا يمكن البناء عليهما والإقرار بوجود مثل هذا النوع من الصوم على الاطلاق. ولكن بالطبع تجود مواضع يجب فيها الامتناع عن الكلام مثل أثناء الاعتكاف أو الذكر أو الاستماع إلى خطبة الجمعة.