يوم من عمره (9)

استيقظت منذ قليل شاعرًا ببعض من ألم الرأس، لا أدرى كم الساعة بالتحديد وليس لدى وسيلة لمعرفة الوقت إلا بسؤاله، جاءت إجابته سريعة بأنها التاسعة وسبع دقائق وعشر ثوان، كنت فى أول عهدى بمعرفة الوقت من خلاله أن أقوم بالابتسام كلما ذكر لى الوقت بهذه الدقة الواصلة إلى الثوانى، كنت أتساءل ما جدوى هذه الدقة المتناهية، فحين ينتهى من ذكر التوقيت بهذه الدقة يكون قد تغير، على الأقل لبعض ثوان تالية ولكن الآن اعتدت على هذه الدقة، ما عادت تضحكنى أو تثير ضجرى، أستمع لما يقال بلا أى تعبير ثم أمضى قدمًا إلى المهمة التالية مباشرة.

أحتاج إلى أن أغتسل وأحتسى بعض القهوة قبل أن اتجه إلى الخارج، ولكن إلى أين، ما معنى الخارج، خارج الغرفة أو خارج المنزل أو خارج المدينة لا أدرى إن كان هذا الأمر قد يحدث فرقًا أم لا، لا أشعر بأنى أحمل أى ذكريات سعيدة أو تعيسة لأى شخص أو لأى شىء، يبدو أن الذكريات تحتاج إلى ذاكرة ،والذاكرة تحتاج إلى مران لكى تستمر وتعمل وأنا للأسف توقفت عن الاعتماد على ذاكرتى الشخصية تمامًا، أنا أعتمد عليه تقريبًا فى كل شىء، لا حاجة حتى لتذكر عنوان بيتى أو مقاس حذائى أو نوع دوائى أو ميعاد تناوله، لا أحتاج لأن أتذكر أسماء أى من أقاربى أو أصدقائى ولا أتذكر أى مواقف جمعتنا سويًا، فيكفى أن أنظر إليه وقبل أن أتلوا عليه قائمة الأسماء، يأتينى بتقرير مفصل عن كل منهم، تقرير بالصوت والصورة مدعمًا بالأرقام وفى نهايته مجموعة من التوصيات والمقترحات، أعلم أن فى حالة موافقتى على تلك المقترحات فإنها ستتحول إلى مربع الفعل خلال ثوانِ معدودة.

مازلت أبحث عن عمل رغم أننى قد احتفلت بعامى الخامس والأربعين منذ عدة أيام، للأسف لا أجد عملًا مناسبًا لدراستى، حتى دراستى نسيتها تمامًا، ضاعت مع الذاكرة الضائعة، الآن لا توجد إعلانات وظائف ولا توجد علاقات إنسانية ،أو معارف يمكن سؤالهم عن العمل، الآن لا توجد إلا بعض الأعمال التى لا يستطيع أحد القيام بها إلا الإنسان، مثل التبرع بالدم أو مشتقاته أو بأحد أعضاء الجسم الداخلية غير هذا لا قيمة للإنسان، أخشى أن يتوقف عن مساعدتى، أتحدث عن تطبيقات الذكاء الاصطناعى التى تدير حياتى الآن، ماذا سأفعل إن انتهت أو توقفت أو تم تخريبها أو منعها، كيف سأعود لأستعيد ذاكرتى وقدراتى التحليلية والحسابية ومشاعرى أيضًا، هل ستتركنا الآلة بهذه السهولة؟، لا أعتقد، أشك، لا أنا متأكد أن لا فكاك، وماذا بعد؟.

من يوميات إنسان فى عام 2123 بعد سيطرة أنظمة الذكاء الاصطناعى.