الأحد 28 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
ساعة التوتر

ساعة التوتر

فى طفولتنا البعيدة كانت علامات الرجولة التى تلفت نظرنا كثيرة منها ارتداء ساعة يد وتدخين السجائر، ولأن تلك الأمور لم تكن متاحة أو مسموحة فان محاولات التشبه بالكبار بدأت برسم ساعة على اليد باستخدام القلم الجاف وإمساك القلم الرصاص فى وضع التدخين.



استمر الوضع كذلك حتى وصلنا إلى المستوى الأكبر قليلا عندما وجدنا فى الأسواق «ساعة لعبة» عبارة عن جسم من البلاستيك بداخله ورقة على شكل ساعة تقف عقاربها عند العاشرة وعشر دقائق ثم تطور الامر فيما بعد إلى الساعات الرقمية او العادية وصولا إلى استخدام الساعة استخداما حقيقيا لمعرفة الوقت وتقدير الأمور مثل كم من الوقت متبقى قبل بدء طابور المدرسة أو كم من الوقت متبقى لانتهاء حصة مملة أو أن نلتقى كأصدقاء فى تمام الساعة السابعة مساء أيام الخميس من أجل النزهة الأسبوعية...إلخ.

وخلال تلك الرحلة وهذا الزهو وجدنا بعض الأصدقاء ممن يرفض ارتداء ساعة اليد على الإطلاق وعندما توجهنا اليه بسؤال استنكارى استفهامى عن السبب أجاب بأن ارتداء الساعة يصيبه بالانزعاج والتوتر وضرب لنا مثلا على ذلك ان ارتداء الساعة فى المساء قبل النوم يجعله ينظر إليها كثيرا حيث يقوم بحساب الوقت المتاح له للنوم حتى الصباح وهوما يجعله يشعر بالمزيد من التوتر والأرق وإن غياب إمكانية معرفة الوقت المتبقى يعطيه راحة واطمئنان حتى ولواستقر الأمر على نوم ساعتين فقط، أى أن نوم ساعتين بدون ساعة يد يكون أفضل من التقلب فى الفراش لمدة ثمانى ساعات مرتديا هذا الاختراع المزعج.

تذكرت هذا الموقف وقارنت بينه وبين التوتر المحيط بنا حاليا جراء الأدوات التكنولوجية الكثيرة وفيض المعلومات والأخبار الذى لا ينقطع، فلدينا مئات القنوات الفضائية وعشرات المحطات الإذاعية وآلاف الأصدقاء على عشرات التطبيقات الخاصة بالتواصل الاجتماعى، فبين منشورات مهمة وصادقة وجادة أوتافهة وكاذبة وهزلية والاحتياج إلى التعليق على بعضها أو عمل علامات إعجاب مختلفة تخضع جميعها لعدة اعتبارات وحسابات تافهة يقوم بها المستخدم وتسبب له الكثير من الإرهاق الذهنى والنفسى، بالإضافة إلى الرسائل الخاصة التى يتبادلها مع الأصدقاء وهنا لا نقصد بالأصدقاء نفس المفهوم القديم المستقر ولكن هنا وفى شبكات التواصل الاجتماعى فان للصداقة معنى آخر أقل أهمية وأكثر تفاهة وازعاجا وخطورة أيضا فى بعض الأحيان، ثم ياتى أيضا ما نقوم بنشره أو إعادة نشره من مواد مختلفة وما يستتبعها من التعليق على تعليقات هؤلاء الأصدقاء، وحتى أن كنت عزيزى القارئ ممن يطلق عليه تعبير «المستخدم الصامت» Silent user ذلك الذى لا ينشر ولا يعلق فأنت فى خطر أيضا جراء تعرضك لهذا الكم المهول من المنشورات التى تفعل بنفسك وعقلك وقلبك ووجدانك الافاعيل وأمثلة ذلك كثيرة، فلا ترى أحد من المستخدمين لا يشكو من تلك التأثيرات السلبية وأهمها ضياع الوقت والإصابة بالتوتر والاكتئاب، إلا أن الأمر لا يتعدى الشكوى القصيرة التى ينتهى منها المستخدمون سريعا حتى يستطيعون العودة للمزيد من التصفح والمزيد من التوتر ومن الشكوى مرة أخرى.