الأحد 28 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
التباهى والفشر

التباهى والفشر

أتاحت شبكات التواصل الاجتماعى لمستخدميها مجالًا وسبيلًا إلى التباهى والاستعراض فى سهولة ويسر وسرعة أيضًا، ولا يقتصر الأمر على التباهى بما نملك بل وصل الأمر إلى ادعاء التملك والتباهى بما لا نملك، فكم من مرة تجد أحدهم ينشر صورة له خلف مقود سيارة فارهة أو على شاطئ خاص دخله خلسة، ثم تطور الأمر إلى استخدام التقنيات الحديثة فى تغيير الصور مما يسمح لشخص لم يغادر القرية التى يقطن فيها أن ينشر صورة له تحت برج ايفل فى باريس، أو يبدو مبتسمًا وفى الخلفية تمثال الحرية بالولايات المتحدة الأمريكية.



أعرف أن الكذب والادعاء أو ما نسميه «الفشر» منتشر كثيرًا خاصة بين الأطفال الصغار وربما يصل ببعضهم إلى عدم القدرة على الفصل بين الأحلام والواقع ولا يقتصر الأمر على الأطفال فربما تلازم الشخص تلك الآفة ولا تنتهى إلا بدخوله إلى القبر، أتذكر منذ عدة سنوات أن قابلت شخصًا رقيق الحال حاول أن يقنعنى بأنه مالك لعمارة «على 3 نواصى» فجاريته وتركته قبل أن تزيد جرعة الكذب فيقسم بالله أنها على «أربع نواصى» ناسيًا أن ذلك يجعلها تتوسط أحد الميادين.

الإشكالية الأكبر تتمثل فى أنه حتى وإن كان ما يقوم به أو ما يمتلكه حقيقيًا فإن الأمر لا يحمل أى قيمة على الإطلاق, فالمفترض أن قيمة الإنسان تكون فى شخصه وتصرفاته وأخلاقياته لا فيما يملك أو أينما يوجد، هذا بالإضافة إلى أن هذا الاستعراض قد يعود عليه بالضرر جراء الحسد فليست كل الأعين الناظرة سليمة ولا كل القلوب راضية.

الأمر الآخر مرتبط بجرح مشاعر وأحاسيس الآخرين، فما معنى أن تتباهى بصحتك ويراك مريضا، أو تتباهى بأولادك ويراك عقيما أو تتباهى ببيتك ويراك شريدا أو تتباهى بوليمة طعام ويراك جائعا والأخطر من كل هذا أن تتباهى بإيمانك وبفعلك للخيرات وتقع فى عداد المرائين.

وما معنى أن تكذب بخصوص موقفك المالى أو المهنى أو حالتك الاجتماعية أو درجة إيمانك، فكثيرًا ما نشاهد صفحات تعج بالأدعية والأحاديث والآيات القرآنية وصاحبها يستطيع بسهولة أن يعطى دورات تقوية للشيطان الرجيم.

المعنى وراء ذلك هو حاجة الإنسان المستمرة للإحساس بالأهمية والتقدير والتميز ولكن بئس الطريقة للحصول على هذا ولا أدرى كيف يستطيع أن ينظر إلى وجهه فى المرآة أو يتعامل عند اكتشاف أمره أو كيف يستطيع أن يغمض عينيه فى المساء منتظرا نومًا هادئًا بضمير مستريح.