الإثنين 4 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
الإمـام القرطبى

الإمـام القرطبى

هو محمد بن أحمد بن أبى بكر بن فَرْح الأنصارى الخزرجى الأندلسى القرطبى من كبار المفسرين صاحب «الجامع لأحكام القرآن» وهو كتاب جمع تفسير القرآن كاملًا. وكان فقيهًا ومحدثًا ورعًا وزاهدًا متعبدًا ولد فى قرطبة عاصمة الأندلس الإسلامية (إسبانيا اليوم) فى أوائل القرن السابع الهجرى (ما بين 600 - 610هـ) ومنذ صغره أقبل على العلوم الدينية والعربية ففى قرطبة تعلم العربية والشعر إلى جانب تعلمه القرآن الكريم، وتلقى بها ثقافة واسعة فى الفقه والنحو والقراءات وغيرها على جماعة من العلماء المشهورين، وكان يعيش آنذاك فى كنف أبيه ورعايته، وبقى كذلك حتى وفاة والده سنة 627هـ. تأثر القرطبى كثيرًا بالغنى الثقافى والمعرفى الذى كانت تعرفه الأندلس عامة وقرطبة خاصة. فلقد نشطت الحركة العلمية فى شتى الميادين اللغوية والعلمية والشرعية، نال منها الكثير.



وكان من شيوخ القرطبى: ابن رواج وهو الإمام المحدث، وابن الجميزى: من أعلام الحديث والفقه والقراءات، وأبوعباس القرطبى (صاحب المفهم فى شرح صحيح مسلم)، والحسن البكري. وكان إلى جانب تلقيه العلم يعمل فى صناعة الخزف والفخَّار فى فترة شبابه، والتى كانت من الصناعات التقليدية التى انتشرت فى قرطبة فى ذلك الوقت, وكانت حياته متواضعة، إذ كان من أسرة متوسطة .عاش مأساة الأندلس، والتى بدأت بهزيمة الموحدين سنة 609هـ فى معركة العقاب، والتى كانت بداية لانهيار الأندلس، وفى سنة (633هـ 1236م) وبعد حصار طال عدة شهور، سقطت قرطبة فى 23 من شهر شوال لسنة 633هـ 29 يونيو سنة 1236م فخرج القرطبى منها إلى المشرق طلبًا للعلم من مصادره، فانتقل إلى مصر التى كانت محطًّا لكثير من علماء المسلمين على اختلاف أقطارهم، فدرس على أيدى علمائها، واستقرَّ بها. وأخيرًا استقرّ به المقام بمنية ابن خصيب فى شمالى أسيوط بمصر، فاتخذها دارًا له ومقامًا ومركزًا للتدريس والتأليف.

ذكر المؤرخون للقرطبى عدَّة مؤلفات غير تفسيره العظيم (الجامع لأحكام القرآن) والذى يعتبر موسوعة فى تفسير القرآن الكريم، وهو من أفضل كُتب التفسير التى عُنيت بالأحكام، مع الاهتمام ببيان أسباب النزول، وذكر القراءات، واللغات ووجوه الإعراب، وتخريج الأحاديث، وبيان غريب الألفاظ، وتحديد أقوال الفقهاء، وجمع أقاويل السلف ومن تبعهم من الخلف، وقد نقل عمن سبقه فى التفسير، مع تعقيبه على من ينقل عنه، كما ردَّ على الفلاسفة والمعتزلة وغلاة المتصوفة وبقية الفرق، ويذكر مذاهب الأئمة ويناقشها، ويمشى مع الدليل، ولا يتعصب لمذهبه المالكى فكان القرطبى حرًّا فى بحثه، نزيهًا فى نقده، عفيفًا فى مناقشة خصومه، وفى جدله، مع إلمامه الكافى بالتفسير من جميع نواحيه، وعلوم الشريعة فأخرج للناس درة التفاسير، وأصبح كتابه مرجعًا مهمًا، ويمتاز هذا التفسير عما سبق من تفاسير أحكام القرآن أنه لم يقتصر على آيات الأحكام فقط، والجانب الفقهى منها، بل ضم إليها كل ما يتعلق بالتفسير.

وقد التزم القرطبى فى هذا التفسير الأمانة العلمية، والموضوعية فى الإفادة من أسلافه، فقال: «وشرطى فى هذا الكتاب إضافة الأقوال إلى قائليها، والأحاديث إلى مصنفيها، فإنه يقال: من بركة العلم أن يضاف القول إلى قائله. ولقد تأثر الإمام القرطبى كثيرًا بعلماء سبقوه منهم:الطبرى والماوردى وأبوجعفر النحاس، وابن عطية، وأبوبكر ابن العربى. وكان زهدًا ورعًا، كرَّس حياته للعلم والمطالعة والتأليف، وفى (مُنْيَة الخصيب) بصعيد مصر، كانت وفاة عالمنا الجليل ليلة الاثنين التاسع من شهر شوال سنة 671هـ، وقبره بالمنيا شرق النيل، بعد أن ترك تراثًا علميًا غزيرًا تأثر به كثير من المفسرين الذين جاءوا من بعده، وانتفعوا بتفسيره، ومن هؤلاء الحافظ بن كثير، وأبوحيان الأندلسى الغرناطى..