الإبداع التطبيقى ضرورة لا رفاهية

التطور الحادث بواسطة وبسبب أدوات عصر المعلومات والاتصالات هو تطور غير مسبوق على مدار تاريخ البشرية ككل، فالعصران الزراعى والصناعى وربما حتى ستينيات القرن الماضى لم يكن التطور فى تلك الآليات يسير بمعدلات متسارعة مثلما هو الحال الآن، بالطبع معدلات التطور فى العصر الزراعى كانت أبطأ بكثير من العصر الصناعى ولكن يمكن القول إن مجمل هذين العصرين لا يمكن مقارنة التطور الحادث فيهما بالتطور  الذى حدث بالفعل فى عصر المعلومات وصولًا إلى الثورة الصناعية الرابعة وآفاقها الحاضرة والمستقبلية.

وسط هذا الأمر لم تعد الميكنة وتحويل الأعمال من الصور النمطية إلى الصورة الرقمية كافيًا لإحداث الفارق الكبير الذى ترغبه الدول ، فالكثير منها قد تطور بالفعل والكثير منها قام أيضًا باعتماد خطط طموحة للتحول الرقمى وبالكاد لا يمكن أن نجد دولة ترفض التحول الرقمى  أولا تعتبره من الأولويات ولذلك فإن منطقة أخرى من مناطق الفعل البشرى هى التى تتطلع إليها الأنظار وهى التى ستساعد على نهضة البلدان وتدعيم اقتصاداتها ،وهى منطقة «الإبداع» الذى ربما كان لا ينظر إليه على أنه من الضرورات ،أو الأولويات فيما سبق ولكن مع التطور السريع والتشابك والترابط البشرى عبر شبكات المعلومات ووصول مستخدمى شبكة الإنترنت إلى 4.95 مليار إنسان أى أكثر من نصف سكان الكرة الأرضية مع وصول عدد الهواتف الذكية إلى 6.6 مليار جهاز ووصول مستخدمى أحد تطبيقات التواصل الاجتماعى-فيسبوك-إلى 2.95 مليار مستخدم بالإضافة إلى أعداد مقاربة من المستخدمين لباقى التطبيقات مع ملاحظة أن الشخص الواحد يكتم احتسابه مستخدمًا لكل تطبيق على حدة.

من المبادرات الرئاسية المهمة التى تقوم بها الدولة المصرية ممثلة فى وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات هى مشروع مراكز إبداع مصر الرقمية حيث تم حتى الآن إنشاء 7 مراكز بسبع جامعات مصرية  بغرض نشر الوعى بين طلاب الجامعات بأهمية تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وتهيئة بيئة محفزة للإبداع ودعم ريادة الأعمال الرقمية كما أطلقت الوزارة أيضًا  مبادرة «أشبال مصر الرقمية» كمنحة مجانية مخصصة لصقل مهارات تكنولوجيا المعلومات للطلاب المتفوقين بداية من طلاب الصف الأول الإعدادى إلى الثانى الثانوى فى جميع المدارس على مستوى الجمهورية. هذا بالإضافة إلى مبادرة أخرى تحت  مسمى «مبادرة شباب مصر الرقمية «للشباب حديث التخرج للتدريب على التقنيات الحديثة فى أمن المعلومات وتحليلها وإنترنت الأشياء والألياف الضوئية والحوسبة السحابية وغيرها كما تتضمن المبادرات أيضًا المبادرة الأكبر «مبادرة بناة مصر الرقمية» والتى تهدف إلى انتقاء وتدريب 1000 من خريجى كليات الهندسة وعلوم الحاسب وذلك فى المجالات التى تؤهل للعمل بوظائف المستقبل ومنها تحليل البيانات والذكاء الاصطناعى وغيرهما حيث تنفَذ المبادرة بالتعاون مع عدد من الجامعات الدولية المتخصصة فى المجالات التقنية الحديثة وشركات عالمية عاملة فى مجالات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات أوتنمية المهارات القيادية أو اللغوية، حيث تمنح تلك الجامعات العالمية درجة الماجستير.

وعلى جانب تشجيع المبدعين فى جميع المجالات الثقافية ومنها أيضًا مجالى الإبداع والابتكار تقوم وزارة الثقافة تحت رعاية السيدة انتصار السيسى حرم السيد رئيس الجمهورية بتنظيم جائزة الدولة للمبدع الصغير وذلك بغرض اكتشاف المواهب فى الفئات العمرية من 5 الى 12 عامًا ومن 12 إلى 18 عامًا حث تصل قيمة الجائزة إلى 40 ألف جنيه لكل فائز مع استمرار الرعاية للفائزين من خلال كافة أجهزة الدولة حيث تعتبر تلك الجائزة هى الأولى من نوعها فى مصر ومنطقة الشرق الأوسط كجوائز دولة تنظم وتمنح من خلال قانون رقم 204 لسنة 2020وذلك لأول مرة حيث تعامل معاملة جوائز الدولة التقديرية والتشجيعية وجائزتى النيل والتفوق، فمع أمة شابة كجمهورية مصر العربية والتى يتضح من تحليل الهرم السكانى بها أن نحو 75% من إجمالى عدد السكان تحت سن الأربعين فإن الاستثمار فى الأطفال والشباب وحثهم على تبنى النهج الإبداعى واطلاق الطاقات هى الوسيلة المؤكدة للوصول إلى المستقبل المنشود.