الأحد 28 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
الإبداع والتأمل

الإبداع والتأمل

يقول الدكتور مصطفى محمود فى مذكراته إنه كان طفلا مختلفا عن أقرانه، فلا هو يلعب ألعابا جماعية ولا يقوم بأفعال صبيانية طائشة، لا صخب ولا ضجيج ولا ازعاج، ببساطة كان يجلس وحيدا وسط الحقول يستند إلى جذع شجرة ويراقب الارض والسماء والحيوانات والطيور والخضرة والماء، يستنشق الهواء العليل ويستمع إلى صوت الطبيعة الهادئ.



التأمل والتفكر ساعده كثيرا فى رحلته من الشك إلى الايمان، الايمان القوى الذى لا يتزعزع، ايمان اقتناع ويقين وليس إيمان تقليد أو عدم فهم، من الأمثلة الشهيرة نجد أن تأمل نيوتن لسقوط تفاحة أدى به إلى اكتشاف أحد أهم قوانين الارض والاجرام السماوية أيضا وهو قانون الجاذبية، لم تكن تلك هى أول تفاحة تسقط على الأرض امام انسان، ارشميدس أيضا اكتشف قانون الطفو والازاحة بتأمل بسيط اثناء الاستحمام.

مرت تلك المواقف بذهنى منذ عدة أيام، تصادف أن فرغت بطارية الهاتف المحمول، نظرت حولى وجدت البعض على شاطئ البحر، أمامه الماء والهواء والشمس والطبيعة الساحرة ومع ذلك وجدت كل من كان حولى منكفئا على شاشات الهواتف، تجولت بين الحضور فوجدت الجميع كذلك، تحركت إلى قاعة اجتماعات استعدادا لبدء الفاعليات، بين مصافحة الاصدقاء والمعارف وشركاء العمل، جلست متعمدا إغلاق المحمول، تجولت بعينى يمينا ويسارا، الكل منهمك فى النظر لشاشة المحمول، البعض يضغط عليها بيد واحدة لكتابة الرسائل، الشباب يستخدمون ايديهم الاثنتين فى سرعة غريبة.

معلومات كثيرة جدا تتدافع إلى العقل والوجدان، معلومات متسارعة ومتجددة، تحتاج إلى الانتباه والمتابعة، العقل البشرى لا يستطيع التركيز الا فى مهمة واحدة فقط، حتى أن كنت تقوم بقراءة مقال والتجول فى شبكات التواصل الاجتماعى وتقرأ البريد الإلكترونى وتستمع إلى أغنية فى نفس الوقت، فإن العقل لا يستطيع فعل هذه الأمور الاربعة فى نفس الوقت، ما يحدث ببساطة هو أن الموصلات العصبية فى المخ تستمر طوال الوقت فى التنقل من موضوع إلى موضوع بسرعة شديدة لتواكب سرعة تدفق المعلومات من هذه المصادر الاربعة التى تعطيك انطباعا انك تفعلها جميعا فى نفس الوقت. 

بعض الدراسات تتحدث عن أنه منذ عشر سنوات كان المستخدمون للتكنولوجيا يتصلون بالإنترنت والتطبيقات كل 3 دقائق، الآن الاتصال بالتطبيقات اصبح كل 45 ثانية، والمعنى هو زيادة الانتباه وزيادة التنقل بين الحالات (الاتصال واللا اتصال)، تماما مثل حالتك النفسية والعصبية قبل وبعد الاستماع إلى اغنية قديمة واغنية جديدة سريعة صاخبة.

أصبح الشخص العادى يدخل فى المتوسط 74 مرة على البريد الإلكترونى الخاص به يوميا ويقوم بالتنقل بين التطبيقات الموجودة على الحاسب الآلى الخاص به حوالى 566 مرة يوميا، هل تستطيع عزيزى القارئ أن كنت لاتزال تتابع الفضائيات أن تذكر كم مرة تتنقل بين القنوات يوميا باستخدام الريموت كنترول؟ وكم عدد الدقائق أو الثوانى التى تشاهد فيها أى قناة قبل أن تنتقل إلى قناة أخرى؟

هل يمنحك هذا الانغماس الشديد ما تريده من صفاء الذهن وهدوء الاعصاب؟ اعتقد أن كل ادوات التكنولوجيا الحديثة التى تكلف المستخدم الكثير من الوقت والمال والجهد لا تعطيه هذا ولا تسمح به.

لن تأتى الافكار الابداعية بالإغراق فى استخدام تلك الأدوات، الابداع يحتاج إلى قدر من التأمل والتأمل لا ادوات له، ببساطة أن تجلس وحيدا انت والطبيعة بلا ازعاج او انزعاج.