الحمى الرقمية
طبيًا تعرف الحمى على أنها أى ارتفاع لدرجة حرارة الجسم فوق درجة الحرارة الطبيعية -37 درجة - وعادة تعرف بداية من 38.5 درجة مئوية, بالإضافة إلى استمرارها مرتفعة لمدة طويلة قد تصل إلى ثلاثة أيام، وبغض النظر عن أسباب الحمى فإن أعراضها كثيرة ومعروفة, منها عدم القدرة على المشى أو الحركة وصعوبة التنفس والرؤية وألم فى الجسم كله خاصة منطقة الصدر, بالإضافة إلى الهلوسة.
ومن هذا العرض الأخير - الهلوسة - أصبح استخدام لفظ «حمى» مستخدمًا للتعبير عن أى فعل غير مسئول وغير طبيعى وغير مدروس العواقب وبلا سبب منطقى فى الكثير من الأحوال أيضًا, ومن هنا يمكن أن نصف الاستخدام غير المقنن لشبكة الإنترنت وتطبيقاتها المختلفة خاصة تطبيقات التواصل الاجتماعى بأنه «حمى استخدام» يتنقل صاحبها بين الصفحات والتطبيقات والمحتويات المختلفة ويتفاعل معها بسبب أحيانًا وبدون سبب منطقى فى أغلب الأحيان، وهذا التفاعل يظهر بوضوح فى الكثير من التعليقات وعلامات الإعجاب التى يتركها المستخدم للتعبير عن رأيه فيما هو منشور.
فى بداية استخدام تطبيقات التواصل الاجتماعى خاصة تطبيق الفيسبوك لم تكن علامات الإعجاب كثيرة مثلما هو الحال الآن، فالبداية كانت مع علامة إعجاب واحدة فقط Like واستمرت كذلك لمدة طويلة فكرت خلالها الشركة فى إضافة علامة عدم إعجاب لكنها تراجعت عن الفكرة لأسباب تسويقية واقتصادية, بالإضافة إلى ما قد ينجم عنها من آثار سلبية واحتقان وكراهية بين المستخدمين، والحقيقة أن علامة الإعجاب لم تبدأ من بداية التطبيق فى 2004 لكنها بدأت بعد خمس سنوات من إطلاقه وتحديدًا عام 2009 , ثم استمر الوضع كذلك حتى عام 2016 حينما تم إضافة خمس علامات أخرى- حب وإعجاب واندهاش وضحك وغضب- وذلك للتعبير عن الحالات المختلفة, وهنا يمكن ملاحظة أن علامة عدم الإعجاب لم يتم طرحها أيضًا بل وصل الأمر فى تطبيق آخر - اليوتيوب - إلى إخفاء عدد من قام بالضغط على علامة عدم الإعجاب على مقاطع الفيديو ولا تظهر إلا لمنشئ المحتوى فقط, وذلك للأسباب السابق الإشارة إليها أيضًا.
الحمى الحالية تتمثل أكثر فى عدد علامات الإعجاب التى يقوم بها المستخدمون طوال الوقت, وفى الحقيقة أن الرقم الإجمالى الدقيق لعدد حالات الضغط على تلك العلامة يصعب حصرها وتحديدها ولكن بعض الاستقصاءات تشير إلى أن المستخدم الواحد يضغط على علامات الإعجاب 10 مرات يوميًا فى المتوسط أى أن الإجمالى يصل إلى 30 مليار ضغطة يوميًا فيما تشير إحصائيات أخرى إلى أن الرقم أقل من ذلك بكثير، والغريب أن أكثر نشاط يقوم به المستخدم لهذا التطبيق هو مشاهدة قصص الأصدقاء Stories , وهو ما قد يمكن تفسيره لأنها تختفى بعد 24 ساعة, لذلك يشعر المستخدمون بانها قد تفوتهم إذا لم يقوموا بمشاهدتها فور علمهم بها وكذا أيضًا, لأنها أكثر جاذبية وأكثر خصوصية وأكثر بساطة من باقى المنشورات.
