الأحد 28 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
المحققون فى عصر المعلومات

المحققون فى عصر المعلومات

فى الكثير من كتب التراث وبخاصة الكتب الدينية نقرأ على غلاف الكتاب أن هذه المخطوطة من تحقيق العالم فلان، نعرف هذا الأمر بصورة أكثر وضوحًا فى علم الأحاديث ولدينا مثال واضح وكبير على هذا وهو الإمام البخارى واضع كتاب «صحيح البخارى» وهو العنوان المختصر والمشهور لكتاب بعنوان «الجامع المسند الصحيح المختصر من أُمور رسول الله - صلى الله عليه وسلّم - وسننه وأيامه» وهو مختلف يختلف عن الكتب الأخرى الشارحة لهذا الكتاب مثل «فتح البارى بشرح صحيح البخاري» للإمام ابن حجر العسقلانى والذى يتناول فيه شروحات لما جاء فى الكتاب الأصلى من أحاديث.



والحقيقة أن سمعة كتاب «صحيح البخارى» تعود إلى الجهد الكبير الذى بذله الإمام أَبُوعَبْدِ اللَّٰه مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيْلَ الْبُخَارِيّ فى تدقيق الأحاديث ومقارنتها وتمريرها على كل من الشرع والعقل والاتساق مع القرآن الكريم وكذا أيضًا التعرف على سلسلة الرواة للحديث ومدى مصداقية وسمعة كل منهم وهو ما جعله يستغرق ست عشرة سنة كاملة انتقى فيها 7275 حديثًا من بين 600 ألف حديث توصل إليها.

التحقيق والمحققون لا يقتصران على الأمور الدينية فقط فحتى يومنا هذا نجد العديد من المحققين - نطلق عليهم تعبير باحثين - يقومون بالغوص فى أعماق العلوم والأخبار والحوادث وغيرها حيث يقومون بالتحقق من الوقائع والمعلومات ويحاولون قدر استطاعتهم أن يقدموا إلى البشرية علمًا نافعًا وصحيحًا.

والحقيقة أن مهارات «التحقيق» لا يجب أن تقتصر على المتخصصين فقط، بمعنى أن وجودنا فى عصر المعلومات شديد التغير والمكتظ بالمعلومات والبيانات والأخبار من مصادرها المختلفة يجعل هذه المهمة فرض عين على كل من يدلف إلى هذا العالم وإلا فإن العواقب ستكون وخيمة جدًا.

نطلق أحيانًا على تلك العملية لفظ «الوعى» أى القدرة على تقييم ما نتعرض له من معلومات من جميع المصادر مع القدرة على المقارنة والاختبار والوصول فى النهاية إلى الحقيقة أو إلى أقرب صورة لها وهذه المهارات تحتاج إلى المزيد من الاهتمام وخاصة بعد ظهور تقنيات الذكاء الاصطناعى التى يمكن لها أن تقوم بتلك المهمة بنفسها، ولكن فى ظل عدم حيادية تلك الأنظمة وانحيازاتها أحيانًا، فإنه لا بديل عن استخدام العقل البشرى وتنمية مهارات التحقيق لدى الجميع.

حتى وفى جميع الأحوال إن أطلقنا عليها لفظ «تحقيق» أو «وعى» أو «تحليل بيانات» أوغيرها من المصطلحات فإننى أرى أنها ضرورة هامة جدًا لتكون أحد أهم مناهج التعليم فى مراحله المختلفة قد تبدأ منذ رياض الأطفال ولا تتوقف حتى فى مراحل الدراسات العليا كما يجب أن تتعرض إلى جميع مناحى الحياة والعمل الأخرى لتكون أسلوبًا ومنهجًا متبعًا فى كل الأوقات وجميع الحالات.