الثلاثاء 23 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

سانت بطرسبرج تستضيف القمة الثانية للشراكة الروسية الإفريقية والتعاون الاقتصادى والأمن الغذائى فى صدارة جدول الأعمال

روسيا وإفريقيا.. قمة «الاحتياج المتبادل»

فى إطار التوجه الروسى المكثف نحو القارة الإفريقية خلال السنوات الأخيرة، تستضيف مدينة سانت بطرسبرج الروسية، القمة الروسية الإفريقية الثانية، هذا الأسبوع، والتى تأتى فى توقيت وظروف دولية صعبة على الجانبين، الروسى والإفريقى، ما يضاعف من أهمية هذه القمة والشراكة، ويضع نتائجها ومخرجاتها على صدارة الاهتمام الدولى والإقليمى.



نستطيع أن ننظر لفعاليات القمة الثانية للشراكة بين روسيا وإفريقيا، من منظور المكاسب والمصالح المتبادلة، أو الاحتياج المتبادل، خصوصا أنها تأتى فى ظل تطورات دولية تفرض على كل جانب حاجته للطرف الآخر، خصوصا ما يتعلق بتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية المستمرة منذ عام وخمسة أشهر، وفى ظل الضغوط والعقوبات الغربية على الجانب الروسى، ترى موسكو فى تعزيز تواجدها بالقارة الإفريقية وعلاقاتها بالدول الإفريقية أهمية استراتجية لمواجهة العزلة الدولية، وتحقيق أهدافها الخاصة بإنشاء عالم متعدد الأقطاب.

وفى المقابل كانت الدول الإفريقية الأكثر تضررا من تداعيات تلك الحرب وخصوصا ما يتعلق بالأزمات الاقتصادية ووقف سلاسل الإمداد وتوريد الحبوب، خصوصا أن 40% من واردات القمح بالدول الإفريقية تأتى من روسيا وأوكرانيا، وبالتالى تنظر دول القارة لقمة الشراكة مع روسيا كضرورة قصوى لبحث حلول عاجلة لأزمات الأمن الغذائى بها، وخصوصا بعد إعلان موسكو الانسحاب من مبادرة حبوب البحر الأسود، ومن هنا تأتى الأهمية القصوى للقمة الروسية الإفريقية الثانية، عن غيرها من شراكات التعاون الدولى مع القارة الإفريقية. 

 

50 وثيقة تعاون بين روسيا وإفريقيا

 

قمة «سانت بطرسبرج»، هى ثانى منتدى يجمع الدول الإفريقية مع روسيا خلال السنوات الأربع الماضية، حيث كانت أول قمة فى أكتوبر 2019، فى مدينة سوتشى الروسية تحت شعار السلام والأمن والتنمية، على أن تعقد كل ثلاث سنوات بالتناوب فى إفريقيا وروسيا، لكن حالت ظروف الحرب الروسية الأوكرانية دون انعقادها فى الموعد المحدد أكتوبر الماضى فى أديس أبابا بإثيوبيا، لتستضيف روسيا القمة الثانية على أراضيها يومى 27 و28 يوليو الجارى.

وخلال القمة الأولى للتعاون الروسى مع إفريقيا التى عقدت فى سوتشى أكتوبر 2019، وقّع القادة الروس والأفارقة خلالها أكثر من 50 وثيقة للتعاون فى مختلف المجالات، بقيمة تتجاوز 12.5 مليار دولار، كما أعلن الرئيس الروسى فلاديمير بوتين خلال القمة شطب ديون بقيمة 20 مليار دولار مستحقة على الدول الإفريقية لصالح روسيا، فى خطوة تهدف لتخفيف أعباء الديون عن كاهل الدول الإفريقية.

 

التعاون المتساوى

 

استضافت إثيوبيا مائدة مستديرة مخصصة للقمة الثانية والمنتدى الاقتصادى والإنسانى الروسى الإفريقى، فى 12 يوليو الجارى، وركزت على مناقشة التعاون التجارى والاقتصادى والشراكة فى المجال الاجتماعى والانسانى بين روسيا وإفريقيا، بحضور مشاركين من 25 دولة، وممثلين عن غرفة التجارة والصناعة الروسية واللجنة التنسيقية للتعاون الاقتصادى مع الدول الإفريقية (أفروكوم)، وذلك لبحث آفاق تطوير علاقات الشراكة الاقتصادية والاجتماعية الروسية الإفريقية.

وخلال المائدة المستديرة، أشار يفجينى تيريخين، السفير فوق العادة والمفوض لروسيا لدى إثيوبيا إلى أن «القمة الروسية الإفريقية تلعب دورا رئيسيا فى تطوير العلاقات الروسية الإفريقية، بما يحقق مستوى نوعى جديدا من الشراكة المفيدة للطرفين فى أقصر وقت ممكن، قادرة على مواجهة تحديات القرن الحادى والعشرين».

وقال إن القمة المقبلة ستسهم فى تعزيز التعاون الروسى الشامل والمتساوى مع الدول الإفريقية فى جميع أبعاده: السياسة والأمن والاقتصاد والمجالات العلمية والتقنية والثقافية والإنسانية. وخلال الاجتماع، تم تسليط الضوء على بعض المجالات مثل الزراعة والتعليم وموارد الطاقة ورقمنة الاقتصاد.

 

أجندة قمة «سانت بطرسبرج»

 

فيما يتعلق بأجندة قمة الشراكة الروسية الأوكرانية الثانية، من المتوقع أن تتبنى القمة خطة عمل بشأن مجالات التعاون المشترك، حيث أعلن وزير الخارجية الروسى، سيرجى لافروف، إن جدول أعمال القمة الروسية الإفريقية سيتضمن 4 محاور: الأمن الغذائى وأمن الطاقة ونقل التكنولوجيا والرعاية الصحية.

ووفقا لما أعلنته الخارجية الروسية، حيث تستهدف القمة «اعتماد خطة عمل للفترة 2023-2026 لمجالات التعاون ذات الأولوية، حيث تهدف هذه الوثيقة إلى تطوير إمكانات التصدير لمنتجى السلع والخدمات الروس فى سياق التعاون الروسى الإفريقي».

وحسب ما أعلن الموقع الرسمى للقمة الثانية للشراكة بين روسيا وإفريقيا، فإن هذه القمة تعد الحدث الرئيسى والأكبر فى العلاقات الروسية الإفريقية، وتستهدف النسخة الثانية منها تحقيق مستوى جديد نوعيا لشراكتنا المتبادلة المنفعة التى تلبى تحديات القرن الحادى والعشرين، كما يهدف هذا الحدث إلى تعزيز التعاون الشامل والمتساوى بين روسيا والدول الإفريقية فى جميع أبعاده السياسة والأمنية والاقتصادية والمجالات العلمية والتقنية والثقافية والإنسانية.

وأشار موقع القمة، إلى أن المنتدى الاقتصادى والإنسانى الذى سيعقد كجزء من القمة الروسية الأفريقية الثانية حدث فريد من نوعه فى علاقات روسيا مع دول القارة الإفريقية، حيث يتضمن برنامج المنتدى أكثر من 30 جلسة نقاشية وفعاليات مواضيعية حول أهم قضايا التفاعل بين روسيا والدول الإفريقية، ويستهدف تنويع أشكال ومجالات التعاون الروسى الإفريقى، وكذلك تحديد تطور هذه العلاقات على المدى الطويل.

وسيعقد المنتدى الاقتصادى والإنسانى الروسى الإفريقى فى سانت بطرسبرج فى معرض «إكسبوفوروم» - Expoforum ومركز المؤتمرات فى الفترة من 26 إلى 29 يوليو 2023، وسيشمل برنامج المنتدى جلسات نقاشية وفعاليات مواضيعية حول أهم قضايا التعاون بين روسيا والدول الإفريقية، بما فى ذلك مجالات التجارة والاستثمار والصناعة ونقل التكنولوجيا والغذاء وأمن الطاقة والرقمنة والرعاية الصحية والتعليم والعلوم ووسائل الإعلام والتبادلات الشبابية.

نظرة التعاون الشامل بين روسيا وإفريقيا، أشار إليها أنطون كوبياكوف، مستشار رئيس روسيا الاتحادية، حيث أكد أن «إفريقيا وروسيا هما المركزان الجديدان للعالم متعدد الأقطاب الناشئ»، وفى هذا الإطار فإن الموضوع الرئيسى للمنتدى يركز على «التقنيات والأمن من أجل التنمية السيادية لصالح الإنسان»، ويركز برنامج المنتدى على أربع قضايا أساسية هى الاقتصاد فى العالم الجديد، والأمن المتكامل والتنمية والتعاون فى مجال العلوم والتكنولوجيا، والتعاون فى المجال الإنسانى والاجتماعى.

وستركز برامج التعاون الاجتماعية على التعليم والسياحة وصناعة السينما، حيث تستقبل روسيا نحو 2580 طالب إفريقى فى جامعاتها وفقا لإحصائيات عام 2022-2023، كما يخطط الجانب الروسى لإقامة فعاليات ثقافية ورياضية مشتركة مع مصر، فى مدينة الإسكندرية، وتوقيع اتفاقيات لتطوير التعاون فى مجال السياحة مع مصر والمغرب وكينيا وناميبيا وتونس، وكذلك مع أنجولا فى التعليم والسياحة.

 

العودة الروسية لإفريقيا

4 جولات لوزير خارجية روسيا بإفريقيا خلال عام

 

تتبنى دولة روسيا رؤية جديدة للعلاقات مع دول القارة الإفريقية، فى السنوات الأخيرة، لاستعادة تواجدها وتأثيرها بالقارة، معتمدة على مجالات تعاون مختلفة، وكثفت موسكو من قنواتها الدبلوماسية مع الدول الإفريقية، فى أعقاب الحرب الأوكرانية خصوصا فى ظل الضغوط والعقوبات الغربية عليها.

ولعل خير شاهد، على الحضور والتأثير الروسى فى الدائرة الإفريقية، اتخاذ العديد من الدول الأفريقية موقفا محايدا بشأن الصراع فى أوكرانيا، فخلال جلسة التصويت بالجمعية العامة للأمم المتحدة فى 22 مارس 2022، امتنعت 17 دولة إفريقية عن التصويت على قرار يدين روسيا، ضمن 35 دولة على مستوى العالم، وغابت 8 دول إفريقية عن جلسة التصويت، وصوتت دولة إريتريا ضد القرار.

من هذا المنطلق، تأتى الأهمية التى توليها الدبلوماسية الروسية للعلاقات مع إفريقيا، حيث أجرى وزير الخارجية الروسى سيرجى لافروف، 4 جولات لقارة إفريقيا خلال العام الماضى، حيث كانت الجولة الأولى فى يوليو الماضى شملت أربع دول هى مصر وإثيوبيا وأوغندا والكونغو الديمقراطية، فى حين كانت الجولة الثانية فى يناير الماضى، وشملت جنوب أفريقيا وأنجولا وإريتريا.

أما ثالث الجولات التى قام بها وزير الخارجية الروسى، فكانت فى فبراير الماضى، وشملت مالى وموريتانيا والسودان، ثم كانت آخر تلك الجولات فى مايو الماضى وشملت دولتى كينيا وجنوب أفريقيا، وتستعد روسيا للمشاركة فى قمة دولى «بريكس» فى أغسطس المقبل بجنوب أفريقيا، وهى تضم 5 دول كبرى وهى البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، وتأتى ضمن أهداف التعاون الروسى الإفريقى.

وعلى مستوى التعاون التجارى والأمنى، تعد موسكو أكبر مورّد للأسلحة إلى إفريقيا فى اتجاه جنوب الصحراء، وتأتى بعدها الصين وفق إحصاءات معهد استوكهولم الدولى لأبحاث السلام حول صادرات الأسلحة عالمياً خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، وقدّر الرئيس الروسى حجم التبادل التجارى بين روسيا والدول الإفريقية بنحو 18 مليار دولار فى 2022.

 

إفريقيا والحرب الأوكرانية

30 مليون طن نقصًا فى الغذاء بدول القارة الإفريقية

 

تأتى دول القارة الإفريقية، فى مقدمة الدول الأكثر تضررا من تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، والتى ضاعفت من فاتورة الأزمات الاقتصادية والغذائية لديها، فى وقت لم تكن قد تعافت فيه بعد من آثار جائحة كورونا.

وتفاقمت أزمات الغذاء فى ظل نقص واردات القمح والحبوب، داخل الدول الإفريقية، ووثق تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائى، حجم الخسائر الإفريقية، حيث زادت معدلات تضخم المواد الأساسية الغذائية فى إفريقيا على المتوسط العالمى بنسبة 12.6 فى المئة، أما الأزمة الأكبر كانت فى وقف حركة التبادل التجارى بين دول إفريقيا وكل من روسيا وأوكرانيا، وخصوصا فيما يتعلق بواردات القمح والحبوب، حيث تمثل واردات القمح نحو نصف الحركة التجارية بين البلدان الإفريقية وأوكرانيا البالغة 4.5 مليار دولار عام 2021، كما تساوى 90 فى المئة من مبادلاتها مع روسيا التى تبلغ أربعة مليارات دولار.

وتستورد مصر والجزائر والمغرب وليبيا وتونس ونيجيريا وإثيوبيا والسودان وجنوب أفريقيا القمح وعباد الشمس من روسيا وأوكرانيا بنسبة 80 فى المئة، وتوقع تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائى أن يصل استهلاك القمح فى إفريقيا إلى 76.5 مليون طن بحلول عام 2025، وأن تلجأ البلدان إلى استيراد 48.3 مليون طن، ما يساوى 63.4 فى المئة من الاستهلاك.

من هذا المنطلق، تفاقمت أزمات الغذاء فى دول إفريقيا، حيث كانت توفر كل من أوكرانيا وروسيا 40% من احتياجات القارة من القمح، وأدت الحرب إلى نقص 30 مليون طن من الغذاء فى إفريقيا، وتسببت فى زيادة أسعار الغذاء بنسبة 40%، إلى جانب انخفاض المساحة المحصولية بنسبة 25%، وانخفاض حجم الإنتاج بنسبة 37%، وهو ما فاقم أزمة الغذاء فى عدة دول، ووضع بعضها على حافة المجاعة.

كل هذه الأزمات، كانت دافعا لإعلان دول القارة الإفريقية منتصف يونيو الماضى مبادرة سلام لإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية، باعتبارها الأكثر تضررا، تضمنت 10 نقاط، قدمها وفد وساطة من رؤساء دول وحكومات 7 دول إفريقية على الجانبين الروسى والأوكرانى، لكن موسكو قللت من إمكانية تنفيذ تلك المبادرة.

 

التوسع فى السوق الإفريقية

لماذا تتجه روسيا فى اعتماد العملات المحلية فى تجارتها مع إفريقيا؟

 

فى ظل العقوبات الاقتصادية الغربية على الجانب الروسى، وسعيا لتعزيز المعاملات التجارية والتوسع فى السوق الإفريقى، بدأت روسيا فى التخطيط لاعتماد العملات الوطنية فى تجارتها مع دول القارة الإفريقية.

وأعلن فى هذا الإطار، رئيس أمانة منتدى الشراكة الروسية الإفريقية أوليج أزوروف، بأن موسكو تتفاوض مع عديد من البلدان الإفريقية بشأن التجارة بالعملات الوطنية، وأيضا أعلن وزير الخارجية سيرجى لافروف بأن «أطراف الشراكة تعد الأوراق الخاصة بذلك الشأن، أى التعامل بالعملات الوطنى، من أجل إعادة ترتيب آلية التعاون فى ظل العقوبات الغربية».

من هذا المنطلق، تستهدف روسيا من خلال فعاليات المنتدى الاقتصادى، الذى سيعقد على هامش القمة الروسية الإفريقية الثانية، تعزيز حركة التجارة مع دول القارة الإفريقية، وذلك بهدف تخفيف آثار العقوبات الغربية التى طالت قطاعات الطاقة والمال والتكنولوجيا الروسية، إضافة إلى تجميد أصول عديد من رجال الأعمال الروس، وانسحاب كبريات الشركات الأجنبية من السوق هناك.

كما تستهدف روسيا أيضا، توسيع الشراكات الاقتصادية وتدويل العملة الروسية، وتقليل الاعتماد على الدولار، وإدراج الروبل فى البنوك المقابلة بما يمنح عملتها الصفة الدولية. يأتى ذلك فى الوقت الذى تستهدف فيه روسيا، لزياة حجم التبادل التجارى مع إفريقيا، والذى يعد متواضعا، بالمقارنة بمعدلات التبادل التجارى لقوى دولية أخرى مثل الصين والاتحاد الأوروبى، خصوصا أن موسكو تمتلك شراكات قوية مع دول كثيرة فى إفريقيا، على رأسها مصر، التى تقيم فيها مشروعات اقتصادية وتنموية ضخمة، منها مشروع منطقة اقتصادية صناعية فى قناة السويس بتكلفة قدرها 7 مليارات دولار، ومشروع محطة الضبعة النووية، يضاف إلى ذلك الجزائر والمغرب، وجنوب أفريقيا وموزمبيق، وزامبيا والجابون وغينيا.