مسافر زاده الإنترنت

رائعة موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب «النهر الخالد» وبالرغم من أن الأغنية تتغزل فى نهر النيل العظيم إلا أن فكرة السفر ومتطلباتها ومعوقاتها وصعوباتها فى الماضى كانت كثيرة بالفعل، بداية من حاجز اللغة وعدم معرفة الطرق المؤدية إلى الأماكن المختلفة فى البلاد الأخرى مرورًا بالانقطاع عن الأهل والأصدقاء فى البلد الأم وكافة أخبارهم وصولًا إلى الصدمة الكبرى من اختلاف العادات والتقاليد بين البلدان المختلفة.

وأتصور أن شبكة الإنترنت وتطبيقاتها المختلفة قد قامت بحل الكثير من تلك المشكلات وذللت العديد من العقبات أيضًا، فبرامج الترجمة الفورية للمكتوب والمسموع أصبحت منتشرة، بمنتهى البساطة تستطيع أن تقرأ أو تتحدث مع أشخاص يتحدثون بلغة لا تفهمها بواسطة تلك التطبيقات كما يمكنك أن تستمر على تواصل مع الأهل والأصدقاء بالصوت والصورة تشاركهم الأحداث ويشاركونك فيما تفعله ويشاهدون المزارات التى تنتقل إليها وهذا الانتقال يكون سلسًا وسهلًا باستخدام الخرائط الرقمية التى تعمل بتقنية الـGPS كما يمكنك بسهولة استخدام وسائل المواصلات العامة أو الخاصة التى تعتاد على استخدامها فى بلدك الأصلى ولا أزيد فأقول إن الإنترنت بتطبيقاتها المختلفة قد تغنيك عن السفر من الأساس حيث يمكنك مشاهدة كل ما تريد وعقد لقاءات العمل وحضور الندوات والمؤتمرات عن بعد كما يمكنك من خلال المواقع المختلفة أن تتعرف على عادات وتقاليد مواطنى تلك الدول ولا يحتاج منك الأمر أن تدور حول العالم فى 80 يومًا مثلما حدث مع الكاتب الكبير أنيس منصور، ببساطة يمكن أن تتعرف على أغلب ما شاهده ورصده من خلال تلك الشبكات فى سويعات قليلة ومن دون أن تبرح مقعدك الوثير فى بلدك الأصلى. ولكن وبالرغم من كل تلك التقنيات التى تسهل المهمة فإن الانتقال أو السفر إلى بلدان أخرى لايزال لا يخلو من الإثارة والتشويق أو الضرورة أيضا فكيف يمكن لك التمتع بالشواطئ الخلابة والشمس المعتدلة أوالسباحة فى البحار أو تناول وجبة فى مطعم شهير وغيرها من الأنشطة التى لا يمكن  للتقنيات الحديثة -ولا حتى الميتافيرس- أن يساعدك على القيام بها.

ولكن وبصورة عامة لا يمكن إغفال تأثير تلك التقنيات الحديثة على السفر وانماطه وأغراضه على مستوى الجودة والتسهيلات وليس على مستوى انخفاض أعداد رحلات السفر الدولية والتى تشير الإحصائيات إلى زيادتها من 29 مليون رحلة فى 2012 إلى ذروتها فى 2019 بحوالى 39 مليون رحلة حتى جاء وباء كورونا فانخفض العدد إلى 17 مليون رحلة فى 2020 ثم بدأ مرة أخرى فى الزيادة حيث يتوقع أن يصل إلى 34 مليون رحلة بنهاية هذا العام.