الأربعاء 3 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
من علماء الأندلس.. ابن باجة

من علماء الأندلس.. ابن باجة

هو أبوبكرمحمد بن يحيى بن الصائغ التجيبى فيلسوف الأندلس السرقسطى الشهير بابن باجة، فيلسوف وطبيب اشتهر فى القرنين الخامس والسادس الهجريين والثانى عشر الميلادى، وهو أول من أشاع العلوم الفلسفية فى الأندلس بغير نزاع، وُلد فى مدينة سرقسطة الأندلسية حيث قضى فيها مراحل طفولته الأولى، وفى شبابِه عمل ما يقرب من عشرين عامًا كاتبًا ووزيرًا لأبى إبراهيم بن تيفوليت المسوفى صهر على بن يوسف بن تاشفين وذلك قبل أن يرحل إلى إشبيلية بعد سقوط سرقسطة بيد الفونسو الأول ملك  أرغون عام 1116م حيث أقام بها زمنًا ثم سافر إلى غرناطة ومنها إلى المغرب فكان موضع الإجلال والإكبار لدى أمراء المرابطين وامتاز بأنه جمع إلى جانب الفلسفة علوم الطب والرياضيات والفلك والطبيعيات والموسيقى وقد وضع علومه فى خدمة فلسفته لذا يعتبره الدارسون أول من أقام العلوم الفلسفية على أسس من العلوم الرياضية والطبيعية.



عَمد ابن باجة إلى العودة بالفلسفة إلى أصولها الأرسطية خالصة كما هى فى كتب أرسطو مبتعدًا عن أفكار العرفان والأفلاطونية المحدثة فكان بذلك أحد أفراد تيار تجديدى أندلسى حاول فصل الأفكار العرفانية التى اختلطت كثيرًا بالفكر الإسلامى والذى بدأ بمشروع ابن حزم الذى عهد إلى تأسيس منهج العودة إلى الأصول واستبعاد القياس فى الفقه واستأنف بعد ابن باجة ابن رشد الذى عمد إلى فصل نظام البيان الفقهى عن نظام البرهان الفلسفى، بمصطلح آخر فصل الدين عن الفلسفة كأنظمة استنتاجية وربطها عن طريق الغايات والأهداف.

كان ابن باجة متوقّد الذكاء وذا سعة من الفكر وفاق أهل عصره فى الفلسفة والحكمة فهو يُمثّل فى الغرب المدرسة الأرسطوية الأفلاطونية الجديدة، كانت فلسفته فى الإنسان هى أن كل حى يشارك الجمادات فى أمور، وكل إنسان يشارك الحيوان فى أمور، لكن الإنسان يتميز عن الحيوان غير الناطق والجماد والنبات بالقوة الفكرية، ولا يكون إنسانًا إلا بها وعن فلسفته فى منازل الناس، فصنّفها إلى المرتبة الجمهورية وهؤلاء لا ينظرون إلا للمعقول، والمرتبة النظرية وهؤلاء ينظرون إلى الموضوعات أولاً وإلى المعقول ثانيًا، أما مرتبة السعداء وهم الذين يرون الشىء بنفسه. ويمكن أن يطلق على فلسفة ابن باجة اسم «علم الإنسان» فقد كان جل ما تناوله فيها يبحث فى ميدان الإنسان، والفكرة الأساسية التى أضافها إلى التراث الفلسفى هى ما يتصل باتحاد العقل الفعال بالإنسان.

تعاقبت اهتمامات ابن باجة العلمية، فتعلق بالموسيقى وتذوّقها كأستاذه الفارابى ثم مال إلى المنطق والفلسفة والطب والرياضيات والطبيعة والنفس. أما عن تراثه من الرسائل والكتب فقد ذكر ابن أبى اصبيعة منها فى كتابه «فى عيون الأنباء فى طبقات الأطباء» سبعة وعشرين رسالة منها رسالة الوداع التى وجهها إلى تلميذه على ابن الإمام السرقسطى قبيل رحلته إلى الشرق وتحدث فيها عن غاية الوجود الإنسانى فى تجاوز حدود الفردية والاتحاد بالنفس الكونية ثم الاتصال بالله الذى لا يكون إلا بالعلم والفلسفة. ولقد نشر هذا البحث المستشرق الإسبانى ميجيل اسين بالاثيوس مع ترجمة إسبانية عام 1943م بمدريد، كما أشار ابن طفيل العالم الأندلسى الكبير عام 1185م بعمق تفكير ابن باجة وذلك فى مقدمة كتابه الشهير «حى بن يقظان».

وفى مجال الطب شرح كتابى الأدوية المفردة لجالنيوس والعالم الأندلسى ابن الوافد اللذين يأخذان بمبدأ العلاج الطبيعى بالأغذية بدلاً من العقاقير الطبية وبالأدوية المفردة بدلاً من المركبة وقد انتفع بهذا الكتاب ابن البيطار عالم النباتات الشهير عام 1248م، ولابن باجة أيضاً كتاب «اختصار الحاوى» للرازى وكتاب «فن المزاج بما هو طب»، كما ترك مدرسة فلسفية كبيرة تتلمذ فيها من العلماء ابن رشد الطبيب الفليسوف وأبو الحسن الغرناطى وهو عالم متميز فى العلوم والآداب وتأثر بها العالم الأندلسى الشهير ابن طفيل.

تُرجمت أغلب كُتبه إلى اللغة اللاتينية وعُرف ابن باجة فى الغرب باسم Avempace، ومن أشهر كتبه «تدبير التوحد» الذى يتخيل فيه مدينة لا يشغل أهلها غير تدبير واحد أو غاية واحدة طريقها العقل فَتُحقّق لها ولهم السعادة، ويُقسّم ابن باجة غايات الانسان إلى جسدية وروحانية وعقلية وهذه الأخيرة هى أرقاها ومن كتبه المترجمة أيضًا «كتاب النفس» وكتاب «الكون والفساد» ورسالة «الاتصال» ورسائل ابن باجة الإلهية.

نال ابن باجة مكانة عالية عند حكام الأندلس فكان لهذه المرتبة أن أثارت حسد عدد من الوزراء واُتّهم بالإلحاد، كما تَرصّد له زملاؤه الأطباء وحاولوا قتله أكثر من مرة لنبوغِه فى الطب وعلوّ شأنه فيه، فكان ينجو مرة بعد مرة حتى مات مسمومًا ودُفِن فى مدينة فاس ببلاد المغرب عام 1139م.