الجمعة 3 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

تجارب مستقبلية فى الفنون

أول معرض فنى منفذ بـ«الذكاء الاصطناعى Ai»

رغم وجود العديد من الرسائل العلمية بكليات الفنون التى ناقشت الاستفادة من تقنيات الـ Ai فى تطوير أساليب الفن الرقمي، إلا أننا تأخرنا فى فتح أبواب الجدل والنقاش المعلن حول المنتج الفنى التقنى المعاصر المنفذ ببرامج خوارزميات الذكاء الاصطناعى Artificial intelligence program أو Ai.



هذا المسار الجديد للفن أصبح ضرورة لمواكبة العصر، إلا أنه أثار مخاوفنا على مستقبل الفن ولكن من العبث أن تصل مخاوفنا للمقارنة بين الإبداع الإنسانى الفردى التفكير والتنفيذ وبين منتج تقنى منفذ ببرامج الـ Ai معشوقاته، ونقاش المفاضلة بينهما يفتقد الموضوعية فلكل منهما عائلته القادم منها، ولن يتخلى أحدهما عن جذوره، ولنتذكر أنه لولا غضب بيكاسو ما جاءت (الجورنيكا)، ولولا عشق «مودليانى» ما رأينا معشوقته. 

أخطرهذه المخاوف منح تفويض مهام توليد الأفكار والتنفيذ للبرنامج الـ Ai هل منتج الـ Ai يعد عملًا فنيًا أصيلًا فهو ليس منتجًا فرديًا، كما اعتدنا بل منتج أنتجه فريق عمل كامل أحد هذه البرامج هى Midjourney Ai Art مولد الصور من النصوص Text to image AI، يبدو سهلًا من عنوانه إلا أنه ليس بمجرد ضغطة زر يظهر لك حلول وأفكار، فالآلة لم تقرر من تلقاء نفسها أن تصنع عملًا فنيًا.

طبيعة البرنامج محمل بذاكرة فنية عالمية ومعلومات ثقافية وتاريخية كمرجعية استنتاج لتوليد أفكار جديدة وتصورات متنوعة، هذه الأفكار مشروطة بدقة كتابة النص وصياغته، والآلة هنا خاضعة للتعليمات تتعلم وتفهم النص وتفكر وتنفذ فى دقائق، فهل سيتقبل الفنان أن يكون له شركاء فى إبداعه؟، تلك الإضافة المعاصرة أصبحت أمرًا واقعًا قد تتفق معها وقد ترفضها، ولك فى الرفض أسباب ولك فى القبول مبررات.

والجدير بالذكر أن الفنان «إدموند دى بيلامى»، نفذ أول لوحة مرسومة ببرنامج ذكاء اصطناعى بواسطة مجموعة فنية، مقرها باريس، تعرف باسم «أوبفير»، وقد تم إنتاج العمل الفنى باستخدام خوارزمية ومجموعة بيانات من 15000 لوحة رسمت بين القرنين 14 و20 الميلاديين، وعرضت بمزاد كريستى أكتوبر 2018، قدر لها سعرا ما بين 7 و10 آلاف دولار، إلا أن بيعت يوم المزاد مقابل قرابة نصف مليون دولار.

الفنانة القديرة علية عبد الهادى أستاذ متفرغ بقسم الديكور - شعبة العمارة الداخلية بكلية الفنون الجميلة، جامعة حلوان قدوة نموذجية كأستاذ جامعى مؤمنة بالفكر التجريبى قادها الحماس والشغف وخاضت مغامرة لا تعرف نتائجها مسبقا، تجربة بحثية علمية وعملية استمرت عام بدءًا من 29 يناير 2022 استخدمت برنامج Midjourney Ai وأنتجت 76 عملًا طبعتها وقعت على كل عمل باسمها وباسم البرنامج، ليكون أول معرض فنى منفذ بـ Ai تحت عنوان «تجارب مستقبلية فى الفنون» بقاعة «بيكاسو» الزمالك والمعرض مستمر إلى 28 أغسطس 2023.

تعرضت الفنانة لهجوم لعرض تجربتها البحثية بقاعة خاصة، كما طال أيضا الهجوم الحاج إبراهيم عبد الرحمن مؤسس جاليرى بيكاسو الذى اعتاد على مدار تاريخه أن يمنح فرصة العرض لكل التجارب الفنية دون تحيز لاتجاه فنى.

وبقاعة بيكاسو تحاورت «روز اليوسف» مع الفنانة دكتور «علية عبدالهادى»…

■ ما سبب خوضك لتجربة الـ Ai؟

-  وجدت أولادنا وأحفادنا أصبحوا يتحدثون بلغة العصر ويستخدمون التكنولوجيا الحديثة ونحن كأساتذة أكاديميين يجب أن تكون مواكبين للعصر بالمعرفة، لأن التواصل مع الأجيال الجديدة لن يتم إلا حين نتعرف على لغاتهم، فهل يمكن أن أتحدث مع شخص بلغة غير لغته بالتأكيد سيكون التواصل منتقصًا.

هدفى الأول كأكاديمية خوض التجربة فهى بحثية بالدرجة الأولى من أجل النقاش الحر والجدل من قبل الفنانين والنقاد والأكاديميين لنصل معنا لرؤية مبنية على تجارب ليس على نظريات بحتة.

Midjourney AI هو برنامج فن توليدى، لا يمكن مقارنته أو مقارنة مخرجاته بالفن المباشر من إبداع الفنان، ولكنه وسيلة وجدت، شديدة السرعة فى تلبية المطالب، وسوف يلجأ إليها الجيل الجديد سواء أحببنا ذلك أم لا، لذا لزامًا علينا التعرف على إمكانياته حتى نتمكن من توجيه طلابنا فى المسار الصحيح المتماشى مع متطلبات سوق العمل التى سوف تكون ذات وتيرة سريعة.

■ حدثينا عن خطوات التواصل مع البرنامج؟

 - فى البداية تعاملت مع البرنامج Midjourney على أنه «لعبة» ممتعة أعطيت البرنامج تعليمات ونفذتها بسرعة رهيبة أعطانى أربع صور وأفكارا جديدة فى عشر ثوانٍ. وهذه النتائج بالتأكيد أحدثت عندى حالة شغف أنى أكمل واسكتشف اكتر، واستخدمته فى تجارب لتصميم الأزياء وفن الحلى وأفكار للفراغات الداخلية والتصميم المعمارى والمناظر، ثم دخلت إلى حالة أخرى طلبت منه «work of art» لانى أعلم أنه يملك ذاكرة عالمية فنية أكبر بكثير من ذاكرة البصرية لفرد واحد، أعطانى لوحات بها أفكار جديدة مجمعة من مخزونة، وهذه الافكار ليس لوحات لفنانين مشاهير، إنما منتج جديد بحسب الوصف الذى كتبته بالنص، إنشاء محتوى بصرى فى ثوانٍ معدودة، هذه السرعة فى التنفيذ تشجع المستخدم على الاستمرار وكأنها عملية تحد للوصول الى إنتاج أفضل وأفضل، استغرقت عامًا من التجارب المتواصلة، فى البداية وجدت منتج الآلة غير مرضٍ لشخصيتى ولا لتطلعاتى وطموحى، كررت التجربة وقمت بتغير صياغة النص المكتوب لأن المنتج يُنفذ بحسب ما تفهم الآلة، وأعطانى اختيارات كثيرة بعضها خذفتها ثم اخترت ما يمكن الاستفادة منه، وكأى عمل فنى سليم البناء طلبت أن يقوم بعمل إضافات وحلول وصياغات ومعالجات بصرية مثل الحذف والإضافة، المبالغة، الظل النور، المنظور الأبعاد، وهذه الطلبات تتطلب أن يكون الفنان أو مستخدم البرنامج متسع الأفق يملك رؤية وخيالًا، وثقافة معرفية بالمدارس الفنية وتاريخ الفن وسمات كل عصر وأسس التكوين والبناء الهندسى المحكم للعناصر الموضوع وتوافق الألوان والاتزان، لذلك من يجيد كتابة النص الفنى بوضوح يضمن نتائج متحقق فيها كل ما سبق من أسس فنية، بعض الفنانين ربما لا يجيد الحديث مع الآلة حتى يكتب لها ما يريده فنيًا، لكنه يجيد اتقان وتنفذ العمل الفنى على مسطح اللوحة، والامر هنا مختلف تماما من حوار مع مسطح اللوحة وحوار مع برنامج. 

■ فى رأيك هل يستفيد أنصاف المواهب من البرنامج؟

- نهائى بل مستحيل أن يستفيدوا، أنصاف المواهب سيكون منتجهم من الـ Ai متسقًا فى حدود موهبتهم الحقيقة، ومخطئ من يقول إن هذه البرنامج استسهال، أنا أدعوه كل فنان أن يجرب بنفسه ويعلن للجميع نتائجه، وسنرى مستويات النتائج بحسب مستوى كل فنان، المنتج السليم فنيا هو نتاج تعليمات فنان شاطر ومتميز متمكن من أدواته، لذا الخوف من هؤلاء لا أساس له من الصحة وإذا كنا نخشى السرقات فنيًا عن طريق البرنامج فالسرقات موجودة ودون برامج، أما من يخشون التجربة ذاتها فهذا إحساس طبيعى دائما نخاف من الذى لا نعرفه ولم نجربه فلكل جديد مقاومة.

■ نرى فى أعمالك موضوعات متعددة كيف تمت؟

- مراحل عديدة تمت بهذه الأعمال المعروضة من حيث الموضوعات، طلبت راقصات وفتيات وحدائق واحتفالات الربيع وزهور، وجدت أن البرنامج أعطانى أفكارًا منفذة بالطابع الغربى شعرت بها بالغربة عن شخصيتى المصرية، أكدت فى صياغة النص على طلب أفكار تقترب من الطابع المصرى، استجاب البرنامج وأعطانى أفكارًا تقترب من الهوية المصرية، لكن الوجوه سمراء قريبة من جميلات النوبة وهذا بحسب مخرونه عن تاريخ النوبة، طلبت تحويل الوجوه بلون أفتح حتى ظهرت الصور الأخيرة قريبة من روح الحضارة المصرية، وتوالت المدخلات النصية بمستويات أخرى عن الاتجاهات والمذاهب التجريدية والتأثيرية التكعيبية والأساليب الفنية مثل تقنيات الألوان المائية مؤثرات انعاكسات الشخصيات، وأن يكون المناخ العام حالمًا خياليًا وغيرها من المعارف الثقافية والفنية، لذا أكرر أن بدون معرفة لا ينتج البرنامج ما يرضى المستخدم ولا يرضى المشاهد، البرنامج Midjourney لا يزال تحت التطوير والشهر الماضى 27 يوليو تم إدخال معلومات جديدة تمكن من التنفيذ بشكل فنى أعلى، وأتوقع تطوير آخر للبرنامح لان توجد بعض العيوب البسيطة قد لا يراها إلا المتخصص مثل التشريح والنسب مثلا، بالإضافة الى أنى طورت فى نوعية النص المطلوب عما ما بدأته فى يناير 2023 وحتى الاستعداد للعرض.

■ البعض يرى أن هذه البرامج تؤثر على استمرار الفن الانسانى؟

- ليس بهذه البساطة أن يشعر الفنان الحقيقى بالخوف، لا خوف ولا مقارنة بين العمل الفنى للفنان المتفاعل مع مسطح اللوحة بوجدانه وإحساسه وريشته وبين برنامج أنتج أعمالا بحسب التعليمات، والبرنامج مهما أعطى نتائج لن يصل إلى وجدان فنان، والمشاعر ليس لها أدوات تنفذ، الآلة لن تغضب ولكن إذا أعطيت البرنامج نصًا تعبيريًا دقيقًا عن حالة غضب فسوف ينفذ، وإذا الخوف على الاقتناء مثلا فهذا يخضع لثقافة المقتنى وذوقه الشخصى ولن ينافس مجالا فنيا آخر لكل مجال خصوصيته، فى رأيى أن المستفيد الأول من ال Ai المصصم الذى يلبى طلبات سوق العمل والشركات والمؤسسات حيث يوفر البرنامج له سرعة الأداء التنفيذ الدقيق وهذا طابع وسمة العصر.

■  هل أعمالك لها حقوق الملكية الفكرية؟

- أريد أن اشير إلى أمر هام أن إبداع الآلة ليس «آليًا» مائة فى المائة لأن المتحكم الأساسى فى كل الخطوات السابقة هو المستخدم فهو يقوم بمقام المخرج ، وأن المنتج النهائى غير موجود بالبرنامج مسبقا بحسب ما نعطى له من نصوص سليمة يعطى لنا.

مكتب حقوق المليكة الفكرية بأمريكا أعلن أن مستخدمى Midjourney الذين لديهم صفحة خاصة مغلقة لا بد أن يكتبوا فى لوحاتهم مثلما كتبت (أنا وMidjourney وهذا يعنى أن أعمالى لها شركاء بمعنى أصبحنا فريق عمل (team work) فهذا توثيق للأعمالى أنها تخص أفكارى وثقافتى، وأتذكر أن أحد زملائى قال لى: إن أعمالى بالمعرض تحمل تلاقيا مع شخصيتى الحقيقية.