الجمعة 3 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

بعد تكريمه ضمن فعاليات الدورة الثلاثين.. خالد جلال فى حواره لـروزاليوسف

التكريم فخر كبير بعد تاريخ طويل من العمل والمشاركة بالمهرجان التجريبى

لم تنعقد دورة من دورات مهرجان القاهرة الدولى للمسرح التجريبى إلا وكان للمخرج المسرحى الكبير خالد جلال مشاركة وبصمة داخله، منذ بداية فعالياته عام 1988 شارك وهو لا يزال طالبا بكلية التجارة بأحد عروض منتخب جامعة القاهرة، ثم توالت المشاركات بأشكال متعددة وتواجد دائم ومختلف، وفى كل مرة كان يثبت أن لديه القدرة على الخلق والابتكار وإنجاز الجديد، يعتبر نفسه ابن هذا الكيان الدولى الفارق والمهم الذى أحدث أثرا لا يمحى فى أجيال من المسرحيين، ولأن جلال ينتمى لهذا الجيل الذهبى يكرمه اليوم التجريبى مع انطلاق فعاليات دورته الثلاثين على خشبة المسرح الكبير بدار الأوبرا، عن التجريب والتكريم قال جلال فى هذا الحوار:



■ ماذا يمثل لك التكريم من مهرجان القاهرة الدولى للمسرح التجريبي؟

- تربيت فنيا داخل هذا المهرجان، حتى أننى لا يمكن أن أنسى بعض عروضه المهمة بدوراته الأولى أتذكرها بالإسم كان هناك عرض للمخرج آلان مبروك من أعظم المخرجين وقتها ببلجيكا.. قدم ورشة بمسرح العرائس شارك معظم المسرحيين بها، كنا ننتظر المهرجان من السنة للسنة، نتابع بشغف كبير كما أتذكر عرض «أهل القمة» من انجلترا كان عملا رائعا بلا كلمة واحدة، ومن إيطاليا «تجزئات امرأة» كان من أعظم العروض، وفرقة سيرك من رومانيا كانت من أهم الفرق التى شاركت ضمن فعاليات المهرجان وفازت دورتين بجائزته كان ذكيا للغاية لأنه يستطيع استضافة 50 فرقة من 50 بلدا لمدة عشرة أيام فى مصر، وهذا يمثل خمس تكلفة ارسال المصريين للخارج لمشاهدة هذا الشكل من الإبداع، أتصور أنه أسهم فى تطوير وتغيير الذائقة الفنية لنسبة كبيرة من المسرحيين الشباب وأظن أننى كنت واحدا منهم، المهرجان أسس منذ 35 عاما قدم 30 دورة شاركت فى 29 منها.

■ كيف جاءت المشاركة الأولى ضمن فعاليات المهرجان؟

- شاركت بالدورة الأولى مع منتحب شباب جامعة القاهرة بمسرحية «اللى بعده» تأليف محمد سلماوى وإخراجى عرضت فى المركز الثقافى الروسى عام 1988، ثم فى السنة التالية مسرحية «يا يعيش» منتخب جامعة القاهرة فى مسرح السلام، ثم فى دورات متتالية سواء مخرج العرض الرسمى بالمسابقة، حيث شاركت بالتسابق أكثر من مرة بعروض «هبوط اضطراري»، «قهوة سادة»، ثم «رفاق الصمت»  عن «يرما» للوركا كان انتاج صندوق التنمية الثقافية وقدم فى بيت الهراوى بطولة ريم حجاب، ثم أخرجت حوالى 12 أو 13 عرض افتتاح وختام المهرجان، أتذكر اشهر حفل افتتاح منهم بنيت فى ساحة الأوبرا ناحية كوبرى قصر النيل بالخارج 20 مسرحا صغيرا عليها 20 عرضا مسرحيا مدته دقيقتين من أشكال البانتومايم، الكلاسيكيات، باليه، رقص حديث، كانت الناس تسير بينهم بحالة من الزهو والفخر، وأتذكر من شدة إعجاب لجنة التحكيم بإحدى هذه الحفلات تصوروا أن العرض داخل التسابق مرتان.

■ هل تتذكر العرضين؟

- أحدهم كان عرض «البنائون» الشباب يقومون ببناء حائط ارتفاعه 6 أمتار وهو ما يعادل ارتفاع ثلاثة أدوار فى عمارة سكنية،  عندما يكتمل الحائط ويدور على الوجه الآخر نكتشف أنهم شكلوا بهذا البناء شعار المهرجان تدريجيا، والعرض الثانى كان عملًا عن مقبرة فرعونية تأتى باحثة أوروبية للبحث داخلها يكون بها مجموعة من المومياوات تخرج الإضاءة من مجموعة من التوابيت المصفوفة على المسرح تحاول وضع يدها نكتشف مع هذه اللقطة أنها تخرج من التوابيت جوائز المهرجان كان مبهرا وأرادت اللجنة منحه جائزة لتصورها أنه داخل التسابق، قدمت فكرة أخرى بعنوان «سيمفونية الخشبة»  كان بطلها الفنان الراحل خالد صالح يدخل والخشبة عبارة عن كواليس مفتوحة الإضاءة على أرضية المسرح ومقاعد الأوركسترا خاوية ومضاءة فى الحفرة بالأوبرا ثم يدخل خالد صالح ويدق بعصاه، تفتح الإضاءة وتعزف الموسيقى وأجهزة الكواليس ترفع والبراقع تنزل والإضاءة تصعد لأعلى فى مكانها ثم ينزل شعار المهرجان مع ختام المقطوعة الموسيقية كان اكتمال شكل الخشبة لبدء مراسم الحفل مع نهاية العزف الموسيقي، ثم يستدير خالد صالح يحيى الجمهور باعتباره أنهى أوركسترا الخشبة، لكن بالنسبة للجوائز حصلت على جائزة أحسن مخرج عن «قهوة سادة» عام 2008 ورشح العرض لجائزة أفضل عرض وأفضل عمل جماعي، كما حصلت كمنتج بمسرح الشباب على جائزة أفضل عرض «حيث تحدث الأشياء» إخراج محمد شفيق عام 2000، وكمنتج بمركز الإبداع الفنى أفضل ممثل لمحمد فهيم عن «أنا هاملت»، ثم أصبحت عضوا للجنة العليا للمهرجان بدورات الدكتور جمال ياقوت، ثم رئيس لجنة التحكيم الدولية الدورة الماضية، ثم مكرم فى هذه الدروة وبالتالى أشعر بفخر عظيم لأننى كنت معه خطوة بخطوة منذ بدايته، بينى وبين المهرجان تاريخ طويل وقصة حب كبيرة.

■ هل فى كل مرة كنت تقع فى ورطة لتقديم شيء جديد بالافتتاح والختام؟

- ابتكرت وسيلة أن نقدم مشهدا صغيرا مدته خمس دقائق يعبر عن المهرجان، كنت كل مرة مع فريق العمل ابتكر مشهدا مختلفا، إحدى المرات عملت مستنقعا يجلس فيه الرجعيون حول رءوسهم اقفاص مغلقة، يمزقون صور الموناليزا، ويحطمون الآلات الموسيقية، ثم كيف اقتحم شباب المسرح المعسكر الرجعى قفزوا من فوق أسواره، ليدخل بينهم شعار المهرجان يسحبونه مثل حصان طرواده تراجعوا وسقطوا فى حفرة الأوركسترا ثم قدمنا بعده مشهد الفرح البلدي، اتحدى نفسى بفكرة كأن الجمهور جاء من أجلى لمشاهدة ما اقدمه والحمد لله لم أخذل الجمهور أو أخذل نفسي.

■ كيف كان للمهرجان إضافة وأثر فى تشكيل رؤيتك المسرحية؟

- التجريب كان دائما مصطلحا محيرا لأنه لو اعتبرنا أن كل ما هو جديد بكل عنصر من عناصر الفعل المسرحى أو التكنيك أو التقنية المسرحية، بمعنى أن أى تصور وتصرف فى هذه العناصر يعتبر تجريبا، وفى رأيى أنه منذ ظهور المسرح فى البدايات بالأقنعة الكبيرة لتضخيم الصوت، والأحذية العالية لتكبير الحجم بالمعابد القديمة والأماكن الضحمة، ووضع بوق داخل القناع  كل هذه الأشكال نوع من التجريب، غرف الأسرار بالمعابد الفرعونية تجريب كانت غرف مغلقة تقدم فيها القصص الدينية الفرعونية، المحبظاتية جزء من التجريب، خيال  الظل جزء من التجريب، الأراجوز جزء من التجريب، كل ما هو طريقة مختلفة لعرض الفن على الناس بأسلوب يضع فيه المبدع ذكائه بتقديم شيء مغاير، تحويل قصة «روميو وجوليت» إلى عرض باليه راقص صراع قصة الحب بين الولد والبنت هذا فعل من أفعال التجريب، مصادر الضوء نوع الموسيقى المستخدم مثل المسرح الصوتى لانتصار عبد الفتاح، أقصد أن التجريبى رحلة لم تبدأ مع المهرجان عام 1988 التجريب بدأ مع اليونانيين والفراعنة عندما بدأوا فى تقديم شيء بعرض إنسان على إنسان، وعليه أن يلقى قبول عند المتفرج وعليه ألا يمل من هذا الشيء، يطهر من يشاهده أخلاقه وسلوكياته، المسرح هو تجريب دائم منذ نشأته، لكن أن نساوى ونفسر الكلمة بغير المفهوم نظرة قاصرة ومحدودة.

■ لماذا دائما يتعرض للهجوم والمطالبة بالتوقف؟

- ليس هناك شيئ يتفق عليه البشر، إذا افترضنا أنه قرر شخص إقامة مهرجان للمسرح الكلاسيكى سيخرج آخرون يهاجمون الفكرة وهكذا فى كل شيء، هناك قامات مثل ناصر عبد المنعم، انتصار عبد الفتاح، هناء عبد الفتاح، ومنصور محمد هذه الأجيال أثر فيهم المهرجان وخرجوا من عبائته، غير تفكيرهم جعلهم يطلعون على مدارس مختلفة وطريقة أخرى فى التشغيل وطرح الأفكار والتمثيل وجدية العمل، لذلك من الصعب للغاية أن نشدد على إيقافه أو تحويله إلى مهرجان عربى أو تغيير اسمه، علينا الاستفادة من إيجابيات المهرجان التى حققت تطورا لدى شباب المسرحيين، علينا البحث فى الكيف وليس الكم، علينا تطوير ما لدينا لأنه شيء راسخ عمره 35 سنة، وهو اليوم من أهم مهرجانات المسرح بالوطن العربى بجانب قرطاج وجرش وايام الشارقة والمهرجان العربى الإماراتي، لم يستنفد اغراضه، طالما هناك مبدعون شباب فى حاجة للإطلاع على العالم والتطوير طول ما المهرجان لن يستنفد الغرض منه ابدا.

■ بينما يرى البعض أنه عاد من جديد لكنه لم يعد قويا؟

- متى عاد المهرجان؟!.. عاد بعد الثورة عام 2016 بعد خمس سنوات، وشعرنا وقتها بمأساة بسبب إلغائه، وهذا الوقت كانت انهارت فيه البنية التحتية للمسارح والميزانيات انخفضت خلال تلك السنوات ثم انخفضت الميزانية العامة انخفاضا كبيرا، ارتفعت أسعار كل الخدمات الطيران والإقامة الفندقية، إذا كنت انفق عليه عشرة جنيهات من قبل 2011 كانت تكفى أن تأتى 50 دولة، بينما مع انهيار القيمة المالية لابد أن يقل عدد الفرق، كما أن أغلب الفرق نظرا للحالة الاقتصادية أصبحت تطلب مبالغ ضخمة حتى تأتى للعرض ضمن فعاليات المهرجان، أتذكر أنه من قبل كانت الفرق تتصارع للقدوم إلى مصر بينما تغيرت الأحوال حاليا.

■ هل ستبقى الميزانيات عقبة فى طريق الإنتاج الثقافى عموما وهل الحل فى دخول الرعاة؟

- بالتأكيد دخول رعاة للمهرجان حل جيد لأن المشكلة الأساسية فى تكلفة السفر والإقامة لذلك انخفض عدد العروض وانخفضت أيام المهرجان، لكن أحب الإشارة لشيء مهم بمناسبة الميزانيات خرجت من المسرح الجامعى وهذا النوع من المسرح، أفضل فصيل فنى ممكن أن تمرين عليه، لأنه يغزل بملاليم أعمال فنية عظيمة، منذ أن كنت صغيرا وحتى الآن أرى أن أمهر ناس وأكثرهم إخلاصا هم شباب الجامعة لأنه لن يحصل على مقابل لما يفعل كما أن أغلب الجامعات لديها اهتمامات أخرى غير الإبداع، وبالتالى هم محاربون حقيقيون يقدمون إبداعا بلا مقابل، نسبة الابتكار عكسية مع ضآلة الموارد المالية يحاولون إيجاد حلول بالملاليم التى تتوفر لديهم، يقدمون غناء واستعراضا وقادرين على الإبهار بأقل الإمكانيات، على سبيل المثال فوز ثلاث فتيات بجائزة التمثيل من عرض الجامعة «ثلاثة مقاعد بالقطار الأخير» بالمهرجان القومى للمسرح وحصول عرض «أوليفر تويست» على جائزة الموسيقى هذا شيء صعب للغاية كل هذه تجارب تستحق الاحترام والتقدير، والفتيات غير مبالغات فى البكاء على المسرح، لأن هذا نصر عظيم ثلاث بنات يحصلن فى مهرجان قومى مصرى فى قمة الاحتراف أخذوا الجائزة من «بق الأسد» من حقهن الاحتفاء بهذا الانتصار.