الجمعة 3 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

محمود حميدة مفاجأة حفل الختام

افتتاح مبهر بـ«تشارلى شابلن» لمهرجان القاهرة الدولى للمسرح التجريبيى

اختتم مهرجان القاهرة الدولى للمسرح التجريبى فعالياته على خشبة المسرح الكبير  اليوم الجمعة بعد أسبوع كامل من الأنشطة المكثفة، وان من الملفت هذا العام استعانة المهرجان فى حفل افتتاحه بأحد عروض القطاع الخاص «تشارلى شابلن» إنتاج سى سينما وإخراج أحمد البوهى وبطولة الفنان محمد فهيم؛ عماد إسماعيل؛ أيمن الشيوي؛ نور قدري؛ وداليا الجندي؛ تأليف الدكتور مدحت العدل؛ وهو تقليد غير متعارف عليه بالمهرجانات التابعة للدولة؛ يعتبر هذا التعاون بداية مبشرة لطرح فكرة تمازج القطاع الخاص والعام لعمل شراكات فنية فى المستقبل يحتاج إليها القطاعان للنهوض بالمنتج الثقافى الفنى وبداية فتح الطريق لفكر آخر فى أسلوب إدارة المؤسسات الفنية الحكومية؛ من شأنه أن يطرح ويمنح الفرصة لدخول الرعاة ومنظمات المجتمع المدنى ضمن الصناعة الثقافية للدولة وهو ما تحتاجه المؤسسات الرسمية وبشدة بعد المعاناة الطويلة التى شهدها ولايزال يشهدها المهرجان التجريبى من ضعف الميزانيات التى تؤدى بالضرورة إلى اضطرار إدراة المهرجان لتقليص الفعاليات بتراجع عدد أيامه من عشرة أيام إلى سبعة فقط؛ ثم العجز عن استضافة عروض لفرق أوروبية كبرى بسبب الأجور المالية المبالغ فيها التى يطلبها أصحاب هذه الفرق مقابل المشاركة ضمن فعاليات المهرجان؛ وبالتالى بدء الإشارة لتسويع أفق المهرجان وانفتاحه على كيان آخر قد يمنح شارة البدء لدخول رعاة ومنظمات مجتمع مدنى ضمن الصناعات الثقافية الحكومية.



قدم «تشارلى شابلن» بعد المراسم الرسمية لحفل الافتتاح الذى أخرجه أحمد البوهى فى عرض تعبيرى راقص قصير أشار بذكاء وخفة ورشاقة ورقى إلى إنطلاق فعاليات المهرجان ببساطة وعذوبة؛ ثم بدأ العرض الذى قدم فى أبهى صورة فنية له تلك المرة على خشبة مسرح دار الأوبرا الغنى بأجهزة صوت شديدة الحساسية كان لها الفضل الكبير فى خروج العمل بما يليق بعرض غنائى استعراضى راقص اتضح فيه جمال الألحان الموسيقية التى ابدعها الملحن إيهاب عبد الواحد وبالتالى كان ذلك اليوم من أمتع المرات التى عرض فيها شابلن على مسرح دار الأوبرا الذى يليق بمثل هذا النوع من الأعمال الموسيقية الضخمة؛ كما يستعد المهرجان فى حفل ختامه اليوم الجمعة لمفاجأة يقدمها الفنان محمود حميدة فمن المقرر أن يقدم عرضا مسرحيا قصيرا خلال حفل الختام.

«ما يرواش»

شارك عدد من العروض المسرحية العربية والأجنبية والمصرية ضمن المسابقة الرسمية للمهرجان التجريبي؛ وكان على رأس هذه العروض؛ العرض التونسى البديع «ما يرواش» تدريب وإخراج محمد منير العرقى العمل نتاج مختبر مسرحى أقامة المركز الوطنى لفن العرائس بتونس لمدة 6 أشهر رحلة من التدريب على اللعب بالعرائس وكيفية التوحد معها ليصبح الممثل والعروسة كيانا واحدا لا تستطيع أن تميزه عن الآخر؛ وهو ما حققه بإبداع كبير العرض المسرحى «ما يرواش» المأخوذ عن مسرحية «العميان» لموريس ميترلنك؛ يتناول العرض قصة مجموعة من العميان خرجوا بصحبة مرشدهم الذى أصر إخراجهم من ملجئهم للتنعم بدفء الشمس قبل حلول فصل الشتاء وعدهم المرشد المبصر بشمس وضفاف لكنه تغيب فجأة بينما يجلس العميان فى انتظار عودته فى غابة موحشة وغريبة يصلهم أصوات خفافيش وحفيف أشجار وضجيج لم يتعودوا سماعه من قبل يتسألون فيما بينهم متى يعود هذا الرجل المنقذ ومتى يعودون إلى ملجأهم الآمن يظل هؤلاء فى حالة شجار وجدل فيما بينهم حتى يأتى كلب ويدلهم على جثة مرشدهم ثم يسمعون بكاء طفل صغير؛ عن فقدان البصر والبصيرة وحالة التواكل والانتظار التى يعانى منها البشر متكئين على الأساطير القديمة بإنتظار المنقذ والمخلص «المهدى المنتظر» الذى سيأتى لينقذهم من هذا الواقع المؤلم الذى يعيشون فيه بدلا من محاولة البحث عن حل للخروج من هذا المأزق الذى وقع فيه الجميع لم يخطر بذهن أحد محاولة الخروج من هذا الأسى بينما الجميع ظل فى حالة ثبات تام بالقلق والانتظار؛ لم يتوقف تميز العمل الفنى عند مجرد المهارة فى الإعداد المسرحى عن النص الأصلى وكيف استطاع أن يحاكى واقع مؤلم عن طريق مجموعة من العميان التائهين فى غابة موحشة أظلم عليهم المستقبل والحاضر بينما اعتمد العمل على جماليات بصرية أخرى منحته حالة من الخصوصية والاستثناء بين عروض المهرجان؛ «ما يرواش» ليس مجرد عمل مسرحى درامى تقليدى لم يعتمد على مهارات تمثيلية للمشاركين بينما اعتمد على مهارات متنوعة تعددت بين التمثيل والحركة وصناعة العرائس البشرية وكيفية اللعب بها وتحريكها والاعتماد عليها بشكل أساسى متلبسة أجساد  الممثلين؛ امتلك الممثلون مهارات كبيرة فى التمكن من تحريك العرائس والتلبس بها مع إتقان الحركة والتفاعل بالتمثيل معا على خشبة المسرح؛ عندما ترى تلك العرائس متحركة ومتحدثة ستظن أن هؤلاء مجموعة من التماثيل دبت فيهم الروح والحياة بالحركة والإيماءة والكلام؛ كل ممثل أتقن تقنية الحركة بالتوحد مع عروسته وكأنهما كيان واحد؛ تتشكل العروسة بالهيئة العامة لجسد الممثل الذى يحملها؛ ثم يتحدث بلسانها وحركة يديها وتعبيرات وجهها وجاءت حركة وإيماءة كل يد وصوت الممثل شديد الاقتران بملامح وجه هذه العروسة نبرة الصوت التى يتبعها كل حامل لعروسته كانت متطابقة وبشدة مع ملامح وجهها وهو ما يؤكد على مدى وحجم الدقة والإتقان الذى تمتع به أبطال العرض بعد تدريب شاق وطويل للوصول إلى هذه النتيجة المبهرة؛ بجانب القدرة على تكوين تشكيلات حركية وصورة بصرية موحية وكأن هذه العرائس مجموعة من الأحياء على خشبة المسرح؛ أقنعة وهيئة شكلية تحاكى الإنسان فى هيئته الطبيعية تحولت بسحر خاص لإناس سائرين وتائهين يبحثون عن مخرج آمن بأيدى وروح صناعها المبدعين؛ عمل مسرحى اكتملت عناصره بالإضاءة والديكور والتعبير الحركى أوحى بمدى العزلة والوحشة التى عانى منها هؤلاء العميان ومدى اليأس والظلمة بانتظار من يرشدهم على طريق.

«آبانيا»

قدم أيضا ضمن فعاليات المهرجان العرض الإيطالى «آبانيا» للمخرج فابيو أومودى وتعتبر المسرحية الثالثة والأخيرة من ضمن ثلاثية فنية عن «انقراض البشر» يدور العمل حول مجموعة من الأفكار الإنسانية عن فكرة قتل البشرية للحب وبالتالى كل ما تبقى من البشر هم مجموعة من الناجين 12 شخصا انقسموا إلى رجال ونساء يتقاتلون باستمرار رغم أن لديهم هدفا مشترك إعادة البشرية للكوكب من جديد وهناك مملكتان هما مملكة البشر التى فقدت كلمة الحب بشكل لا يمكن استرداده بينما فى مملكة البحر تعيش تلك الكائنات فى تناغم وحب وسلام تصطدم حماقة البشر بهذا الحب الذى أظهرته المخلوقات البحرية؛ فكرة بدائية أقرب لمسرح الطفل منها إلى عمل مسرحى جاد وربما عبر عنها أيضا المخرج بشكل جمالى أحيانا و فقير وبدائى فنيا فى أحيان أخرى تضمن العرض بعض المشاهد المبهرة فى تكنيك اللعب بالمسرح الأسود خاصة فى مشاهد إبراز حالة التناغم والانسجام بين الكائنات البحرية وكذلك فى حالة اصطدام البشر بتلك الكائنات؛ وأحيانا أخرى وقع العمل فى فخ التطويل والأحاديث المبهمة غير المسموعة بلغة إنجليزية تبدو ركيكة وغير واضحة لكن برغم هذه الأزمة قدم العمل أيضا تشكيلات حركية مميزة وتشكيلات تعبيرية عن استخدام العنف والقتال بين الرجل والمرأة فى مشهد بين رجل وإمرأة جلست فى مقدمة المسرح وهو يقف وراءها فى لوحة تعبيرية بديعة استخدم فيها التعبير الحركى والموسيقى والإضاءة للإيحاء بهذا التناحر والقتال بينهم؛ وكذلك جاءت بعض المشاهد موحية ومعبرة عن خيال وفكرة المخرج بينما بنظرة عامة على العرض قد تكون المعالجة والفكرة ساذجة مقارنة بالغنى التعبيرى الذى إعتمد عليه المخرج فى بعض المشاهد الموحية ومتقنة الصنع سواء بالتعبير الحركى أو التكشيلات الخيالية بالمسرح الأسود التى أجاد اتقنها بدقة على خشبة مسرح شاقة مثل البالون هذا المسرح الضخم الكبير بحرفة فنية عالية استطاع الإيطالى فابيو أومودى إغلاق مساحات ضخمة ليقدم عمله الفنى بمساحة ضيقة صغيرة أقرب للجمهور لكن هذا لم يعف العرض من وجود بعض السلبيات خاصة فى صياغة فكرته الدرامية وطريقة التعبير عنها فى مشاهد حوارية غير مجدية على الإطلاق لم تضف للعمل بقدر ما انقصته وأوقعته فى فخ الملل والتكرار.

«تابو»

شارك أيضا ضمن فعاليات المهرجان عرض «تابو» للمصمم والمخرج محمد ديبان؛ وهو إنتاج مشترك سوريا ألمانيا اعتمد على التعبير الحركى وتقديم رقصات متنوعة للتعبير عن فكرته الرئيسية التى تلعب على التابو الذى يعتمد على حظر الاقتراب من كل شيء متعلق بالدين والجنس والسياسية رغم الحداثة والواقع المعاصر الذى نعيش فيه إلا أن هناك ما يقيد هذا الواقع ويكبله؛ فى لوحات بديعة راقصة أتقن الراقصون تقديم تشكيلات وتعبيرات حركية بإستخدام مفردات جديدة اعتمدوا بشكل أساسى على مزج الرقص المعاصر بالحالة الصوفية لرقصة العشق الإلهى وربما كانت تحمل هذه الرقصة الصوفية شيء من الروعة والغنى الفنى أبدعها بحكمة واقتدار المخرج ومصمم الرقصات محمد ديبان خرج من الشكل التقليدى للرقص الصوفى المستهلك بالعروض العربية وقدم فى مزج بديع حالة صوفية سامية عبر فيها عن السمو الروحانى بروح التراث والرقص المعاصر كانت من أمتع وأجمل لوحات العرض فى تتابع تصاعد الحالة الصوفية بالرقص المعاصر بمشاهد فردية وجماعية.

كذلك أبدع فى تصميم أكثر من مشهد سواء بالفردى والجماعى أو الرقصات الثنائية قدم تصميمات غير مكررة أو مستهلكة بعروض الرقص المعاصر كذلك لعب فى منطقة رحبة لفتح أجساد الراقصين على تجاوز النموذج أو القالب الضيق الذى يتحرك فيه أصحاب هذا الفن بمجموعة من المفردات الحركية المتطورة أو المتجاوزة بخيال بسيط فن الباليه؛ خرج دبيان من النموذج ليقدم تشكيلات وتنوعيات حركية جديدة مغايرة للمألوف ولأشكال الرقص المعاصر المعتادة التى لاتزال تكبل أجساد الراقصين بالتمسك بالهيئة الشكلية لفن الباليه؛ «تابو» عمل فنى ممتع اتحدت عناصره ليقدم بها المخرج تشكيلات حركية بديعة مع اتقانه وذكاء استغلاله للإضاءة بمسرح السلام حيث استغل الإضاءة بشكل كبير لمزجها بالحالة الفنية التى أراد التعبير عنها بأجساد راقصيه بفتح مساحات واسعة للإضاءة وتشكيل صورة بديعة على خشبة المسرح مع روعة مزجه واختياره بين المقطوعات الموسيقية والخطاب السياسى فى نهاية العرض عمل مميز اتحدت عناصره لتعبر بسمو واتقان عن كل التابوهات التى شغلت بال صاحبها.