أنا واقف من بدرى
العبارة السابقة يعرفها الجميع، أبناء هذا الجيل والأجيال السابقة أيضا، عبارة خالدة تقال أمام المطاعم أو أفران الخبز أو حتى أمام شبابيك الخدمات الحكومية، العبارة تقال ضجرا أو تقال استعطافا أو للفت الانتباه ومعناها أن قائلها يريد أن يحصل على الخدمة أو السلعة، عادة تقال واليد ممدودة بتذكرة أو ورقة بها بيان المطلوب.
قبل عصر التكنولوجيا كانت العبارة معتادة وتقال عشرات المرات فى كل مكان، ربما يحصل على الخدمة الأضخم حجما أو الأجش صوتا، ربما يحصل عليها الرجال من دون السيدات، وللأمانة فإن تلك العبارة ليست سحرية وليست مفيدة دائما ففى بعض الأحوال يتم الرد عليها من قبل أحد الحضور قائلا: «والله انا واقف من قبلك» ثم تتحول المباراة إلى الاستدلال بمن حضر أولا من خلال سؤال الآخرين أو حتى من خلال الحلف بالمقدسات الدينية كلها وصولا إلى الذات الإلهية.
منذ عدة أيام رغبت فى تناول بعض من سندوتشات الفول والطعمية من أحد المطاعم بالعاصمة الإدارية الجديدة، أثناء التوجه إلى المطعم المزدحم توقعت أن أعود إلى الزمن الماضى وأستخدم تلك العبارة بعد أن أقف طويلا، فليس من عادتى المزاحمة أو رفع الصوت، أحيانا يدفعنى الزحام إلى التخلى عن الفكرة من الأساس ولكن لا أدرى لماذا أكملت الإجراء هذه المرة، تقدمت إلى الكاشير وقمت بطلب بعض السندوتشات ثم قمت بعد ذلك بالتوجه إلى مكان الحصول عليها، كان شديد الازدحام ولكن وجدت البائع لا يتحدث إلى الجمهور تقريبا، بين الفينة والأخرى يتلفظ برقم فينظر الجميع إلى الأوراق التى يحملونها، عن بعد شاهدت شاشة إلكترونية كبيرة تحتوى على نفس الأرقام وتحت كل رقم مذكور عدد السندوتشات المطلوبة وأنواعها، وقفت بعيدا ونظرت فى ورقتى لأتعرف على رقمى، بعد فترة من الوقت سمعت البائع يصيح «331»، تقدمت الصفوف حتى وصلت إليه، حملت الطعام وغادرت فى هدوء.
حكيت التجربة لبعض الأصدقاء حيث أفادوا بأن هذا النظام أصبح منتشرا فى الكثير من المطاعم والمحال وأيضا فى المصالح الحكومية التى تتطلب الذهاب إليها للحصول على الخدمة أو على الأقل لاستلام الوثيقة النهائية، الحصول على الخدمة أو السلعة بدون مغادرة المنزل أو المكتب أصبح أمرا معتادا أيضا، تسوق إلكترونى أو خدمات حكومية رقمية من خلال بوابة مصر الرقمية وخلافه، تغيير جعلنى أتذكر تلك العبارة الأثرية وابتسم، وأتطلع إلى اليوم التى تختفى فيه تماما، وأحسبه قريبا.