الأحد 28 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
العصفورة الرقمية

العصفورة الرقمية

أول معرفتنا بالعصافير كان من خلال سؤال الأهل عن هذا الكائن الذى نراه يطير ويقترب من النوافذ بحثًا عن لحظة راحة، ثم بعد ذلك وجدنا أثارًا لأعشاش العصافير، تلك الأكوام الدائرية المكونة من القش، بعد ذلك انتقل مفهوم العصفورة إلى ذلك الطائر الذى لا نراه ولكنه يقوم بإخبار الأم بكل ما نفعل فى غيابها، محاولات مضنية لاكتشاف تلك العصفورة ومحاولات أخرى للاختباء بعيدًا عنها ولكن كلها باءت بالفشل حتى ظننا أن تلك العصفورة ترتدى طاقية الاخفاء، فالأم تعرف دائمًا.



مع الانخراط فى دروس العلوم عرفنا أن العصافير أشكال وألوان وأنها تبيض وأن بعضها للزينة والبعض الآخر برى يمكن أكله وهو ما قام بعضنا بتجربته من خلال اصطياد العصافير بالنبلة أو ببندقية رش.

بعد أن كبرنا والتحقنا بالوظائف، ظهر نوع آخر من العصافير يسمى «عصفورة المدير»، ذلك الزميل الموظف الذى ينقل للمدير حقًا أو كذبًا كل ما نقول ونفعل خاصة فيما يتعلق بالسخرية من المدير وقراراته، هذا النوع من العصافير تتطور من القول إلى استخدام التقنيات الحديثة كالتسجيل الصوتى والتصوير لتوثيق عمله ليكتسب المزيد من المصداقية والمكافآت أيضًا.

حتى هذا المستوى من «العصفرة» كان الأمر مقبولًا، فعصفور الطفولة لم يكن موجودًا وعصفور المدير يمكن تجنبه أوخداعه أيضًا، إلا أن انتشار استخدام شبكة الإنترنت أظهر نوعًا جديدًا من العصافير، أكثر فاعلية وأكثر دقة وهو ببساطة ما نقوم بالبحث عنه من خلال محركات البحث المختلفة وما نقوم بفعله على شبكة الإنترنت وتطبيقاتها المختلفة ومنها بالتأكيد شبكات التواصل الاجتماعى، فكل كلمة بحث وكل نقرة على الروابط وكل ملف نحمله وكل صورة نراها أو مقطع صوتى نسمعه أو فيديو نشاهده ومكان نزوره هى أمور مرصوده، يستطيع أصحاب تلك التطبيقات تحليل كل ما نفعل وما نفكر فيه ومن خلال هذا التحليل يمكنهم رسم صورة حقيقية وأكثر دقة عن كل مستخدم على حدة، ماذا يحب وماذا يكره وبمَ يفكر وما هى مشاعره تجاه الاخرين وتجاه المفاهيم والأشياء، ما هى قيمة ومعتقداته وهواياته واهتماماته، كما تقوم تلك العصافير برسم خريطة لمستقبل المستخدمين من خلال دراسة الماضى ودراسة ردود أفعالهم على ما تعرضوا له من قبل، هذا التحليل يستخدم فى الأغراض التسويقية وفى دراسة المجتمعات والأفراد بصورة لا يمكن لأى أسلوب من أساليب الاستبيانات التقليدية أوالمتطورة اكتشافه، فالإنسان يميل إلى التجمل وادعاء الفضيلة والكمال مهما حاول أن يكون موضوعيًا، اما امام تلك العصافير الرقمية فإنه يشعر بالأمان التام والسرية المطلقة فيتعرى تمامًا وهو لا يدرى أن العصافير ترصد ذلك كله وتستخدمه أو ستستخدمه لصالحها يومًا ما.