الثلاثاء 23 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
خلف خطوط العدو

خلف خطوط العدو

قبل موعد صلاة الفجر بساعة واحدة، يستيقظ الذاكرون العابدون من كل أنحاء الأرض.. فى هذه اللحظة، تنزل الرحمات من السماء إلى الدنيا، وتوزع الأرزاق على العباد.. كل من أراد الله بهم خيرًا، رزقهم ساعة بيولوجية ربانية عجيبة، يستيقظون مبكرًا دون الحاجة إلى من يساعدهم فى الاستيقاظ، أو حتى المنبهات العتيقة، صاحبة الأجراس الصاخبة فى الزمن الماضى.. هؤلاء الأشخاص أصحاب الطاقات الإيجابية، التى تتحول إلى طاقات نورانية شديدة البهاء والضياء، لا تعرف الكسل ولا الخمول ولا التنطع، ولا حتى الغل والكراهية.. تميل صفات من ينعم الله عليهم بالاستيقاظ مبكرًا إلى رجال العسكرية الوطنية ورجال الفكر والثقافة والسياسة الحقيقيين. 



النماذج كثيرة للتعليم والتعلم من أسماء كبيرة كان لها دور عظيم فى تشكيل وجدان هذه الأمة وقت الحرب والسلم.. «أهل البكور «فى الأساس، هم واحة السكينة والطمأنينة، منهم الأولياء الصالحون، والقادة العظماء فى كل المجالات.. وطالما أننا فى شهر الانتصارات والبطولات للعيد الخمسين لنصر أكتوبر، قرأت العديد من القصص والروايات عن ملحمة أكتوبر بتفاصيل أقل ما يقال عنها بأنها معجزات أجراها الله على أيدى قادة وضباط وجنود القوات المسلحة، وبعض المدنيين من بدو رجال ونساء سيناء الحبيبة.. جذبنى فى هذا الشهر قراءة فصول من رواية «خلف خطوط العدو»، التى أظهرت رائعة من أروع الملاحم العسكرية، التى قام بها أبطال القوات المسلحة فى حرب أكتوبر 1973، يسرد مؤلف هذه المذكرات اللواء أسامة المندوه قصة مجموعة استطلاع مصرية، والتى دفعت بها الأجهزة الاستخباراتية والقيادة العامة للقوات المسلحة المصرية قبل حرب أكتوبر  للتمركز خلف خطوط العدو فى قلب سيناء، بالمناطق الاستراتيجية فى «أم مرجم» و«مطار المليز» الحربى، ومنطقة طريق وسط سيناء.

محور نجاح عملية هذه المجموعة من الأبطال، كان الاستيقاظ مبكرًا، وهو من أعظم التدريبات النفسية التى استمرت عليها كليات ومعاهد العلوم العسكرية فى العالم ومنها مصر.

الساعات الأولى بعد الفجر وقبل سطوع الشمس، حملت معها أسعد وأبسط  لحظات الخداع الاستراتيجى، عندما يتجلى فى شكل خروج رعاة الغنم، لسيدات وأشراف قبائل سيناء خاصة قبيلة الأحيوات فى وسط سيناء، التى كانت تساعد المجموعة القتالية التى كان يرأسها اللواء أسامة المندوه، فى الأيام الأولى لحرب أكتوبر المجيدة، وقد قدمت هذه المجموعة القتالية خلف خطوط العدو، معلومات غاية فى الخطورة، حيث رصدت كل تحركات العدو ومعداته على الطريق الأوسطى فى قلب سيناء.

فى الذكرى الخمسين لانتصار أكتوبر، ومن خلال أحاديث موثقة مع شيوخ وعواقل بدو سيناء، وتحديدًا فى منطقة وسط سيناء ونخل، استمعت إلى أحاديث شهود العيان الذين عاصروا حروب الاستنزاف، وكانوا سندًا لرجال المهمات الخاصة وأبطال العمليات النوعية، من رجال القوات المسلحة، قبل وبعد الحرب، وكيف قدم هؤلاء الطعام والشراب، بالإضافة إلى الخداع الاستراتيجى لمحو تحركات القوات المصرية على رمال سيناء، بالمرور بعد الفجر مباشرة بالأغنام فى مواقع الإنزال لبعض فرق العمليات النوعية التى كانت تنفذ مهامها قبل الحرب بأيام قليلة.. أهل سيناء من قصاصى الأثر، ورعاة الغنم، ورجال سيناء الأبطال، كونوا تنظيمات من البدو أيام حرب الاستنزاف كانت تحارب العدو وكانوا جنبًا إلى جنب مع رجال القوات المسلحة، وهذا ما أكده اللواء أسامة المندوه فى مذكراته «خلف خطوط العدو».. القصص والبطولات لضباط وضباط صف وجنود قواتنا المسلحة لا تعد ولا تحصى وهناك المئات من الأبطال الحقيقيين من هؤلاء الرجال لا نعرف عنهم الكثير نظرًا لسرية بعض العمليات التى لم تفصح عنها القوات المسلحة.. هذه النماذج الفريدة يجب أن يتعرف عليها  شباب هذا الجيل حتى يعلموا جيدًا  كيف حافظ الآباء والأجداد على كل شبر من أرض الوطن، خاصة سيناء الحبيبة  التى لو أراد الله لها أن تتحدث لنطقت رمالها بالمعجزات التى سطروها «مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا».. ورحم الله المفكر العظيم جمال حمدان عندما قال: «إن لم تكن  مصر ذات أطول تاريخ حضارى فى العالم، فإن لسيناء أطول سجل عسكرى معروف فى التاريخ تقريبًا، ولو أننا استطعنا أن نحسب التحركات الحربية، لن نجد بين صحارى العرب، وربما صحارى العالم، رقعة مثل سيناء حرثتها الغزوات والحملات العسكرية حرثا، من هنا أقول إن سيناء أهم وأخطر مدخل لمصر على الإطلاق».. نفسى ودمى وروحى فداء لك يا أرض الفيروز.

تحيا مصر..