الخميس 2 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

يرويها الأبناء والأحفاد

«بيوت الحبايب».. حكايات الألم فى حياة النجوم

ما أصعب نهايات الفنان وكأنه كتب عليه أن يتألم. أضحكونا وهم يتألمون أمتعونا وهم غائبون وتقبلوا أقداراهم بالرضا . منهم من أصابه مرض لعين اخترق جسده ورحل بعمر الشباب، ومنهم رغم فقد العزيز الغالى ظل يضحكنا إيمانا منه برسالة الفن، ومنهم من خدعه الزمن ووقع فريسة للأشرار وجعله أسيرا في بيته، ومنهم من انحسرت الأضواء عنه، واستمر حتى رحيله عزيز النفس، ومنهم من توقع رحيله فاشترى مقبرة قبل وفاته بستة شهور، تعددت الأسباب والنهاية رحيل عنا وليس منا.



حكايات إنسانية وفنية عن رموز التلاوة والإنشاد ونجوم السينما والمسرح والتمثيل والغناء والكوميديا . تقرأها بكتاب «فى بيوت الحبايب - الأبناء يفتحون خزائن الأسرار»  للكاتبة الصحفية «زينب عبد اللاه» الصادر عن الدار المصرية اللبنانية 2021.

استغرقت الكاتبة سنوات من البحث عن بيوت الحبايب والتقت بالأبناء والاحفاد لتعرف تفاصيل البدايات والنهايات وتصحح المعلومات المتداولة المغلوطة عنهم، ولترد الجميل لهؤلاء المبدعين على اختلاف مجال العطاء.

 والتقت مع عائلات أكثر من ٢٠ شخصية  هم: الشيخ محمد رفعت، بديع خيري، عادل خيرى، عبدالفتاح القصرى، عماد حمدى، محمد عبد المطلب، زينات صدقى، عقيلة راتب ، محمد رضا  الشيخ النقشبندى، توفيق الدقن، عبدالمنعم إبراهيم، عبد المنعم مدبولى، فؤاد المهندس، الشقيقان حمدى وعبدالله غيث، سعاد محمد، حسن عابدين، مديحة كامل، علاء ولى الدين.

 اخترنا لكم بعضا من حكايات القهر والألم فى حياة ملوك الضحك..

السكر القاتل

آل «خيرى» عائلة فنية استثنائية مثلما توارثت جينات الفن وخفة الظل وتوارثوا أيضا لعنة مرض السكر، بديع خيرى مولير العرب رائد نهضة المسرح المصرى المتعدد المواهب مؤلف وشاعر يكتب الأغانى والزجل والسيناريو، وابنه عادل خيرى موهوب منذ صغره يكتب زجلا وقصصا ويمثل ويرتل القرآن، مسيرته الفنية سبع سنوات فقط، لم يمهله القدر وقتا ليحقق أحلامه اختطفه الموت بعمر 33 عاما بعد صراع مع السكر القاتل.

السيدة «عطية عادل خيرى» فنانة رسوم متحركة تحكى أحد طقوس جدها بديع أنه كان يحتفظ ببقايا أقلام الرصاص حيث يخصص قلما واحدا لكل عمل يكتبه شعرا أو مقالة أو مسرحية أو سيناريو. أحداث مأسوية متتالية أصابت العائلة بسبب مرض السكر الوراثى. تزوج بديع من ابنة خالته وأنجب منها أربعة أبناء وفى أواخر أيامها فقدت البصر، وابنته ظلت تعانى طول عمرها من الحمى الشوكية.

تغيرت حياة بديع بعد وفاة ابنه عادل الذى كان يساعده فى إدارة المسرح خاصة فى الفترة الأخيرة من حياة بديع كان غير قادر على الحركة يجلس على كرسى متحرك بعدما بتر أصابع قدمه، ومع كل هذه الأوجاع اتخذ بديع خيرى من الفن مقاومة لأحزانه واوجاعه وذكر: «ضحكات الناس عزائى وقوتى»، ورحل 1/2/1966.

ذكرت الابنه عطية: «والدى عنده مواهب فنية كثيرة واحلام لكن مكنش عنده وقت وعمر». أسس مكتب محاماة مع زوجته المحامية والسباحة العالمية «إيناس حقى»، ولكنه تركه وتفرغ للتمثيل. وأنجبا (عطية، عزة، عبلة) وكلهن على حرف (ع). افترسه السكر القاتل مبكرا واهتمامه بالفن والتمثيل جعله يهمل صحته وكان يقيم بالمستشفى فترات طويلة، آخر مرة زار المسرح قبل وفاته بأيام خرج من المستشفى للمسرح وقام بتحية الجمهور وبكى، وكأنه يعلم موعد رحيله. رحل في  1/5/1963.

كشفت الصورة التى نشرت بجريدة الجمهورية بتاريخ 24/1/1964 أن الفنان عبد الفتاح القصرى أسير ببيته .. تفاصيل الصورة تقول إن القصرى محبوس فى بدروم يقف خلف أسوار شباك بغرفة مظلمة يهذى مستجديا المارة: «عاوز سيجارة يا ناس». بينما أطفال المنطقة يضحكون عليه ويطلبون منه أن يردد ايفيهاته الشهيرة. إلا أنه لم يعد يتذكر أى شىء عن ماضيه ولا عن حاضره. وكان قد فقد بصره اثناء وقوفه على المسرح بسبب ارتفاع السكر.

وسبب هذه المأساة أن زوجته الاخيرة الممرضة استولت على كل ما يملك وكان يشك فى تصرفاتها وبالفعل خانته مع ابنه بالتبنى، واجبرته على تطليقها بل جعلته شاهدا على عقد زواجها من ابنه بالتبنى، وعاشوا معه فى نفس البيت.! حبسته فى بدروم المنزل وأخفته ومنعت عنه الزيارات وجعلته فى حالته نفسية مؤلمة جائعا ومعذبا ومهلل الهيئة مريضا يهذى دون علاج ولا يملك مقاومتها.

مارى منيب ونجوى سالم انقذتاه ونقلتاه للمستشفى وجمعتا له تبرعات مالية لإنقاذه من التشرد خصصت له النقابة 10 جنيهات شهريا، والمحافظة خصصت له مسكنا وكانت معه شقيقته الصغرى بهية لرعايته ورحل يوم 8/3/1964. هذا ما حكته ابنة شقيقه السيدة «نجلاء محمد فؤاد القصرى» آخر ما تبقى من أسرة القصرى ذكرت انهم لم يعرفوا مكان قبره لأن والده الجواهرجى طرده من المنزل وحرمه من الميراث بسبب الفن.

زينات عابرة السبيل 

 

ملكة الكوميديا «زينات محمد سعد» وشهرتها «زينات صدقى» ابنة الإسكندرية. غابت عن الأضواء لسنوات طويلة وكانت ترفض أعمالا لأنها لا تليق بها. إلا أن شقيقتها كانت تضغط عليها لقبول ما يعرض عليها خوفا أن ينساها الجمهور وكانت زينات تقول: «الجمهور عمره ما هينسانى».

آخر مشاركتها فيلمين في السبعينيات (السراب، وبنت اسمها محمود) لم تجد التعامل الذى يناسب تاريخها.  وعن حياتها الخاصة تزوجت من أحد الضابط الأحرار ولم تفصح الحفيدة عن اسمه، أجهضت نفسها بسبب أن زوجها لم يبلغ والده بزواجهما رغم أنه كان زواجا رسميا ومعلنا وحضره نجوم كبار. ودام الزواج بينهما 14 عاما ثم تم طلاقهما.

وطالتها الإشاعات التى نفت حفيدتها «عزة مصطفى» أنها دفنت فى مقابر الصدقة، ولم تجد فستانا لتذهب تكريم عيد الفن، باعت عفش بيتها لتعيش، لكنها لم تنف أن الضرائب حجزت عليها وسددتها من مصاغها، وشقيقتها أكملت قيمة الضرائب. 

زينات عزيزة النفس أثناء تكريمها فى عيد الفن طلب منها الرئيس السادات أنها لو احتاجت لشيء تبلغه. إلا أنه حين أصيبت بمياه على الرئة قبل وفاتها رفضت أن تبلغه وقالت: «فى ناس أحق منى»، يوم 2/3/1978 رحلت بهدوء بغرفتها، ودفنت فى مدفن عابرى السبيل الذى أنشأته وأوصت أن يكون مدفنا متاحا للجميع.

المعلم رضا

 احمد محمد رضا يحمل جزءا كبيرا من ملامح والده وروحه الطيبة، يحتفظ  بالجلباب والصديرى والكوفية التى كان يرتديها المعلم رضا فى أدواره، وصندوق الشوارب التى كان يستخدمها بحسب شخصية المعلم.

كان يحلم بالتمثيل وفى شبابه كان وسيما رشيقا يحلم بأدوار الجان. إلا أن المخرج كمال ياسين رشحه يقوم بدور المعلم كرشة فى مسرحية زقاق المدق، وهذا الدور غير مساره كفنان وأصبح معلم السينما المصرية.

ولم يعانى سوى من بعض الأمراض المزمنة التى تعايش معها، المشهد الأخير يوم وفاته 21 رمضان 1995 كان عائدا من تصوير مسلسل «ساكن قصادى»، ليفطر فى بيته مع زوجته وحفيدته عبير، ابنة ابنته الراحلة أميمة، وجد ابنه حسين قد جاء ليزوره ويطمئن عليه وعلى والدته، وبينما يستعد الابن للمغادرة ألح عليه الأب أن ينتظر ليفطر معهم، وبالفعل استجاب الابن، وجلس محمد رضا ليتناول الإفطار، وبعده تلقى مكالمة تليفونية من أحد الصحفيين لإجراء حوار صحفى، وبينما يتحدث مع الصحفى دخلت عليه الحفيدة لتجده وقد سقطت سماعة التليفون من يده لكنه لم يرد، وقد فارق الحياة في  21/2/1995.

عصفور الحزين

عبدالمنعم إبراهيم الكوميديان الحزين «عصفور» أنجبت له زوجته أربعة أبناء (سمية، وسلوى، وسهير، وطارق) زوجته كانت تتألم بعد كل ولادة ولم يكن يعرف  ان السبب أنها مصابة بالسرطان وعلى مشارف الموت، كان يؤدى أدواره الكوميدية وقلبه يعتصر حزنا وألما على فراقها ورحيلها.

ابنته الكبرى السيدة «سمية عبدالمنعم إبراهيم» تجلس بالشقة التى عاشت فيها مع أبيها ووالدتها. تحكى قبل دخوله الفن رشح له أحد أصدقائه عروسا لكنه أعجب بشقيقتها وبالفعل تزوجها، وتقول: «إنه بعد وفاة أمى تزوج من خالتى التى كان من المفترض أن يتزوجها سابقا لكنة طلقها بعد 10 أيام .كانت تشبهه والدتى بشكل كبير، ثم تزوج أبى من السيدة عايدة لبنانية تولت رعايتنا وأنجبت أختنا نيفين».

وتوالت صدمات عبدالمنعم إبراهيم بوفاة والده ووفاة شقيقه الشاب فجأة، وإصابة زوجته اللبنانية بمرض السرطان أيضا. وتزوج من الممثلة كوثر العسال وظل زواجهما 20 عاما وحتى وفاته.

يوم رحيله انتفض من نومه فجأة ليلحق بموعد بالمسرح ونزل الجراج طلب من العامل كوب مياه وسقط فجأة ونقل للمستشفى توفى 19 نوفمبر 1987 ونفذت أسرته وصيته قبل أن تخرج جنازته من المسرح القومى، ودفن بمقابر الأسرة.

 

بابا عبده

 

ابنته الوحيدة «أمل عبد المنعم مدبولي» ذكرت أنه عاش يتيما فقيرا محروما وعمل فترة الإجازات فى النجارة والسباكة ليتعلم صنعه وتعلم الاعتماد على نفسه. درس والتحق بكلية الفنون التطبيقية وعمل مدرسا بقسم النحت، وعشق الفن وأتقن العديد من الفنون ممثلا ومخرجا ومؤلفا وموهوبا فى الرسم والنحت. تزوج ابنه الجيران هى أيضا كان تدرس الفنون الجميلة وأنجبا (أمل ومحمد وأحمد). وشخصية بابا عبده بالمسلسل قريبة من شخصيته إنسانيا وأسريا مع الفرق أنه ليس سلبيا، عشق المسرح هو مؤسس فرق مسرحية كثيرة ومكتشف النجوم منهم: عادل إمام، سعيد صالح، صلاح السعدنى، أشرف عبدالباقى، محمد سعد وغيرهم.

واتهم مدبولى أنه انسحب من دور الناظر بمدرسة المشاغبين وأنه يريد رفع أجره إلا أن السبب أنه رفض خروج الشباب عن النص وان الارتجال أدى إلى طول مدة العرض وترتب عليه مشاكل مع الجمهور فى توقيت النهاية ليلا. رغم أنه مؤسس مدرسة المدبوليزم مدرسة الارتجال لكنه يدرك متى يعود إلى أصل النص.

 وأصابه الحزن حين حاول البعض إبعاده عن مسرح التلفزيون وتوقف عن التمثيل وساءت حالته النفسية، كان حريصا على أن يعمل حتى آخر أيامه وقال لابنته: «تخيلى واحد بيقوللى أنت بقيت 80 سنة يبقى ترتاح، دانا لو بطلت فن أموت».

قبل وفاته بيومين تحدث معه بالتليفون رفيق مشواره فؤاد المهندس وشعر المهندس بصدمة أنه لم يفهم كلامه فقد دخل بحالة غيبوبة، ورحل في 9/7/2006. وهو نفس يوم حادثة حريق مقتنيات غرفة فؤاد المهندس!

دموع الأستاذ

جلس أستاذ الضحك فؤاد المهندس على سريره شاردا بعد صدمته الكبيرة ماس كهربائى تسبب فى اندلاع النيران بغرفة عالمهة الخاص التى وضع فيها كل ما هو عزيز على نفسه ويعتبر هذه الغرفة ميراثه وتاريخه، الغرفة تضم كل مقتنياته والجوائز وصورا لمشاهد من أعماله والنجوم المقربين لقلبه، وركن خاص يحتفظ بالملابس التى ارتداها بأعماله حتى الطربوش القديم فى أوائل أعماله بالمسرح، ومقتنيات خاصة التي اشتراها من المزادات.

وقت الحريق لم يصرخ ويطلب النجاة. إلى أن انطلق الدخان من غرفته وشعرت زوجة ابنه المقيمة بنفس العمارة بالدور الأرضى وأنقذته ولم يعش الأستاذ بعد هذا الحادث إلا قليلا.

عاش للفن حتى آخر لحظة كان يقف على المسرح وهو مصاب بالجلطة واضعا جهاز تنظيم ضربات القلب، ويقول «إن صحتى بتيجى على الشغل»، من كثرة الصدمات عاش بحالة من الزهد والحزن فبعد صدمة الحريق ورحيل الفنانة سناء يونس، بعد شهرين من رحيل مدبولى رحل فؤاد المهندس 16 سبتمبر 2006.

حكى ذلك ابنه «محمد فؤاد المهندس» الذى يعيش بشقة والده بالزمالك ويحتفظ بكل ما تبقى من جوائز وشهادات وصور وحرص ألا يغير معالم الشقة احتفاظ ببصمة الأستاذ بالمكان.

أحزان الناظر

ذهب لاختبارات القبول بمعهد الفنون المسرحية ولم يوفق مرتين سألهم عن سبب رسوبه فأجابه أحد أعضاء اللجنة «أنت ما تنفعش تمثل أنت تروح تشتغل بلياتشو فى سيرك» اتخذ من هذه الجملة قوته ليحقيق حلمه، الفنان الكوميدى الراحل علاء ولى الدين صاحب الوجه البشوش قلبه قلب طفل فى جسد رجل حنين وكريم مع الجميع. هكذا وصفه شقيقه الأصغر «معتز ولى الدين»، ويروى أنه حين توفى والدهما الفنان الراحل سمير ولى الدين (الشاويش حسين فى مسرحية شاهد ما شافش حاجة) كان علاء أكبر أشقائه بعمر 14 عاما تحمل المسؤولية الأسرية واشتغل فى مهن مختلفة مطاعم وفى أوتيلات.

وكان وعد والده أنه سوف يطرق باب الفن بعد حصوله على بكالوريس التجارة. وأصيب بمرض السكر وهو فى المرحلة الثانوية ورثه عن والدته ووالده.

فى أواخر أيامه كان لديه شعور أنه هايموت بدرى، رجع ليلة عيد الأضحى من البرازيل كان يصور فيلما، وصلى الفجر والعيد وبعد ذبح الأضحية قال لوالدته «أنا هادخل أنام وهابقى أقوم أعمل السنة وناكل الفتة». وبعد دقائق اكتشفوا وفاته 11/2/2003. ويحكى ابن عمه إسماعيل ولى الدين: «اشترى مدفنا قبل وفاته بـ 6 شهور، وكل جمعة كان بياخذنا نقرأ القرآن، آخر مرة زار المدفن كانت قبل وفاته بعشرين يوما. وكان قد أحضر من العمرة المسك وتراب البقيع وأوصى أنه حين يموت يغسل بها، وقد نفذنا وصيته.