إيقاعات الطبيعة
صوت الماء فى انسيابه عبر النهر أو سقوطه فى أوقات المطر، الدورات الزراعية وتوقيتاتها المستقرة، صوت الرياح والدفء الذى تبعثه أشعة الشمس أو الضياء الذى ينشره القمر فى الليالى المظلمة مع مئات أو آلاف النجوم التى تظهر فى السماء الصافية، أو حركة السحاب وانسيابية اجنحة الطيور فى السماء أو اغصان الأشجار فى الحدائق.
عصفور يزقزق مع ضياء الفجر متأهبا ليوم طويل من السعى والبحث عن الرزق ليأتى به فى المساء لصغاره أوحتى حركة الحيوانات فى الغابات كل حسب أسلوبه وسرعته وطبيعته وغرضه، فراشة تطير بين الورود أو نحلة تمتص الرحيق لتخرجه عسلا أو نمر يتحين الفرصة للانقضاض على فريسته، كل تلك المظاهر الطبيعية وأكثر إن عشنا فيها لفترة من الزمن لاستطعنا أن نتعرف على ايقاعات الطبيعة فى حالاتها المختلفة.
أقول «إن عشنا فيها» لأن هذا كان هوالأصل أصل تواصل الإنسان مع البيئة المحيطة، فى فترة تالية انفصل الانسان جزئيا عن تلك الإيقاعات واندمج مع ايقاعات السيارات وأجهزة الراديو ومع الأنماط
التى فرضها المجتمع الصناعى كالمدرسة والمستشفى والمصنع والمقاهى والمسارح وقاعات الموسيقى ودور السينما وقاعات الكتب، حتى هذا العصر كان الانسان لايزال يتمتع بقدر من راحة البال وقدرة معقولة على التأمل الذى هو أصل الإبداع وأساسه.
فى مرحلة تالية انتقل الانسان الى عصر المعلومات أوالعصر الالكترونى حيث أصبحت الأجهزة الالكترونية تحيطه من كل مكان وأصبح لا يستطيع الاستغناء عنها وعنما تقدمه له من خدمات وتسلية حتى وصل به الامر الى الاستغناء عن البشر تدريجيا، فالحاسب يكلمه وهو يكلم الحاسب والهاتف الذكى أكثر بريقا من الصديق القديم، ليس أكثر بريقا وحسب، بل أسرع ويعمل على مدار الساعة، فلا كلل ولا ملل ولا أعباء يضيفها على حامله، لن ياتى يوما يجد الهاتف يعتذر عن العمل لشعوره بالمرض أو لوجود ظروف مرض أو وفاة لجهاز آخر.
كل هذا يتم حاليا فى عالم تحيط فيه انسان العصر الموجات الكهرومغناطيسية فى كل مكان، تحمل اليه ومنه المعلومات والبيانات فى صور متعددة، مكتوبة ومنطوفة ومرئية، يتم كل هذا بسرعة الالكترون، هنا تقلص أو انتهى علاقة الانسان بإيقاعات الطبيعة وأصبح - أو يحاول- أن يصبح أو يحاول ان يجارى تلك التقنيات فى سرعتها والنتيجة حتمية ومعروفة ونراها، المزيد من التوتر والقلق والاكتئاب وقسوة القلب والقليل من الإنسانية المحتضرة.