السبت 4 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

بريد روزا

فراغات يملؤها السراب

تحية طيبة من القلب لبريد روزا وبعد…



أنا سيدى الفاضل أرملة من القاهرة، أبلغ من العمر ٥٤ عامًا وأعمل بإحدى الهيئات الحكومية، أم لثلاث فتيات تزوجن وأنجبنَ خمسة أحفاد، يضيئون حياتى ويملؤوها فرحًا وصخبًا ممتعًا، مات زوجى فجأة منذ ثلاث سنوات فى حادث أليم، وبدأت أشعر بالوحدة الخانقة، لا أعرف كيف أقضى يومى بعد انتهاء عملى وعودتى لبيتي، تارة أخرج مع صديقاتى القدامى للتنزه أو الجلوس بالأماكن العامة أو التسوق، وتارة أخرى انتظر زيارة بناتى وأطفالهن، لكنها لقاءات وأوقات غير مشبعة، مقارنة بزيارات أيام الزمن الجميل بعيدًا عن الهواتف المحمولة التى أصبحت بلاء اجتماعيا - حتى الصغار يأتون اليَّ كل أسبوع مرة واحدة للعبث بها أمامي، وليس للحديث معى عن أخبارهم وأحلامهم البريئة، كأننى أشحذ الكلمة أو الطُرفة التى انتظرها بفارغ الصبر منهم، تلك الخلفية المملة عنى هى التى جعلتنى رغم حبى الشديد لرفيق عمري، رحمه الله وطيب ثراه، أفكر فى الزواج من رجل يملأ وحدتى الكئيبة، حتى بعثه إليَّ القدر، أو كنت أظنه كذلك - ففى إحدى حفلات الزواج التى دُعيت لحضورها عن طريق زميلة ابنتى بالعمل، كان لقائى الأول بعم العروس، رجل فى نهاية الأربعينيات من عمره، يصغرنى ببضع سنوات ولم يتزوج بعد، كانت جلسته رفقة شقيقتيه معنا أنا وابنتى على منضدة واحدة، اختلط الحديث بيننا جميعًا حول أمور مختلفة، وفى نهاية الحفل تبادلت مع إحدى شقيقتيه أرقام هواتفنا مع وعد بالتواصل، بعد عدة أيام وجدته يرسل لى رسائل عبر تطبيق «الواتس آب» يرحب بى ويصرح بتشرفه بمعرفتي، وأنا لن أنكر بأننى كنت مهيأة لهذا التعارف،، وتطرقت لأحوال الحفل وسعادتنا بالعروسين وما إلى ذلك، ثم سألنى عن تفكيرى فى الزواج بعد وفاة زوجى وكيف يسير يومي، وهو تكلم عن الوحدة التى يعيش فيها وتأجيله لفكرة الزواج عدة مرات دون سبب - إلا لعدم وصوله للزوجة المناسبة من وجهة نظره، وبمرور الأيام وتعدد الاتصالات، عرض علىَّ فكرة الزواج وكنت فرحة بداخلي، لكننى تظاهرت فقط بأن الأمر يحتاج لبعض التفكير، وهو أمهلنى فرصة لمدة ثلاثة أشهر حتى أتعرف عليه أكثر، وكذلك لأرتب أمورى مع بناتي، ومن ثم يتم إعلان الخبر، وافقت على اقتراحه، وخلال مهلته القصيرة توالت اتصالاتنا حتى جاء اليوم الذى أخطأت فيه بحق نفسى خطأ لا يغتفر، تجاوبت مع محاولاته للإيقاع بى وممارسة العلاقة المحرمة هاتفيًا، دون حدوث لقاء فعلى يجمعنا،، بعدها شعرت بضئالة حجمى كامرأة ناضجة، من المفترض أنها متدينة تنتمى لأسرة عريقة،، وقررت مقاطعته نهائيًا - لكنه كرر محاولته للتأثير علىَّ مرة ثانية، وكاد أن ينجح فى استمالتى عاطفيًا من جديد، إلا أننى أغلقت فى وجهه الهاتف، وأخبرته بموافقتى على الزواج منه إذا كان جادًا - ثم فاجأنى برد فعله الساحق لكرامتي، وأكد بأن السبب الحقيقى لعدم زواجه حتى الآن يعود لفقدانه الثقة فى كل النساء، وبأنه قرر الانتقام منهن بأخذ ما يريد دون زواج، ولو أننى استحق علاقة آثمة داخل غرفة مغلقة لكان خطط لها فعليًا، لكننى كأنثى لا أجذبه لفعل ذلك، وعلينا أن نظل أصدقاء أو ننهى علاقتنا للأبد، وبكل تأكيد رددت تفويض أمرى فيه إلى الله سبحانه وتعالى، وتركته لحال سبيله، ومن هذا اليوم أستاذ أحمد وأنا أعانى مرارة الاكتئاب، أغلقت بابى على نفسى وأصبحت أتهرب من زيارات بناتى وأزواجهن لي، أحاول فعل كل شىء يقربنى من الله وطلب مغفرته، لكن عذاب الضمير يلاحقني، وكذلك افتقد ثقتى بنفسى كإنسانة لها الحق أن تعيش من جديد بلا مركبات نقص، فبماذا تنصحني!؟ 

إمضاء ي. خ

 

عزيزتى ى. خ تحية طيبة وبعد…

يقول الحق سبحانه وتعالى فى كتابه العزيز بسورة آل عمران، بسم الله الرحمن الرحيم {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّـهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّـهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} صدق الله العظيم،، تلك الآية المباركة تلخص مصير المرء الذى أخطأ فى حق نفسه، ثم سارع إلى الاستعانة بذكر ربه، مستدعيًا غفرانه وعفوه، أنه لن يخيب ظنه، حيث يبين الحق جل شأنه بنفس الآية الحكيمة، بصيغة استفهامية ذات صبغة تأكيدية، عظمته وتفرد رحمته قائلًا: «وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّـهُ»، والغرض هنا هو طمأنة التائبين على توبتهم، وتلبية طلب العفو عنهم، شريطة عدم عودتهم لطريق المعصية بإصرار منهم، وهم يعلمون الضلال والهلاك الذى فيه،، لذا هونى على نفسك عزيزتى واستمرى فى الاستغفار واستحضار عظمة الله، احمديه على نعمة التدبر لأنكِ أدركتى ذلك سريعًا قبل فوات الأوان، والوقوع فى المزيد من المعاصي، بعدما منحك الله القوة اللازمة لرفض استغلال هذا الشخص غير السوي، ودحض محاولات شيطانه لاستباحتك، والتقليل من شأنك،، أنصحكِ بالمضى قدما فى حياتك، على النحو الذى يرضيكِ ويسعدك بما يرضى الله، وإذا كان الزواج هو مبتغاكِ لعصمة نفسك ومؤانسة روحك برجل صالح، فلا غضاضة فى ذلك، وافقى على من يطرق بابك بما يناسب تطلعاتك، كإنسانة لها الحق فى علاقة زوجية جديدة، تملئين بها الفراغ الكبير الذى تركه زوجك ووالد بناتك رحمه الله،، واعلمى انتِ وغيرك ممن يعانين نفس ظروف وحدتك، بأن الفراغات التى تركها الأحباب - لا يجب أن نملأها بالسراب - عندما نعبر عن احتياجاتنا الجسدية أو العاطفية لمن لا يحق لهم الشعور بسريانها وتدفقها الفطرى بداخلنا، فتكون النتيجة الطبيعية هى الاستمتاع بنشوة محرمة أو زائلة، لا تعرف تبجيل كيان صاحبها، بل تنكل بثوابته وتنال من احترامه لنفسه،، وإذا لم يستفيق فى الوقت المناسب، قد يتمادى فى جلد ذاته المنهكة أو ينتقم من نفسه بردة فعل مدمرة، ومما لا شك فيه أن ضبط المشاعر وعدم الإفراط فى تركها تسيطر على عقولنا بشكل مطلق، هو أمر مهم للغاية، وقيمة تربوية لابد من ترسيخها فى الأبناء منذ الصغر، حتى لا نستطيع التفرقة بين احتياجاتنا والتزاماتنا الانضباطية تجاه ديننا ومجتمعنا، وهذا الدور المحورى كانت تلعبه باحترافية منقطعة النظير، أمهات الزمن الجميل على وجه التحديد، لأن عاطفتها الجياشة تجاه أبنائها وخوفها عليهم، تجعلها قريبة منهم على الدوام، تنصحهم وتشجعهم تارة، وتعنفهم وتراقبهم تارة أخرى، حتى تتأكد من ضبط زوايا اتزانهم وتشبعهم بجينات المسئولية الاجتماعية تجاه الأجيال القادمة. 

دمتِ سعيدة وموفقة دائمًا ي. خ