الإثنين 6 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

فى ذكرى رحيله

صمويل بيكيت.. أديب نوبل الذى أوجد للعبث معنى

فى مثل هذه الأيام تمر ذكرى واحد من أهم كتاب مسرح العبث يتميز بأنه نتاج ظروف سياسية وعالمية كبرى أدت بالفلاسفة المحدثين إلى التفكير فى الثوابت.



والعبث لدى صمويل  بيكيت -الذى ولد عام ١٩٠٦ ورحل عن عالمنا عام ١٩٨٩- هو تعبير متكامل عن القناعة بمأساوية الحياة إذ يتكرر كل شىء ويبدو الموت خلاصاً، وإذ تتوه الشخصيات التى فقدت صلاتها بالمجتمع بحثاً عن ملجأ بعد أن فقدت القدرة على التواصل مع الاخرين.

تعتبر حركة العبث أو اللامعقول والتى سميت بأكثر من مسمى مثل الكوميديا المظلمة وكوميديا المخاطر ومسرح اللاتوصيل امتداداً لحركات أدبية مختلفة ظهرت لفترات قصيرة فى بدايات القرن العشرين زمنها على سبيل المثال السريالية، وهى حركة أدبية فنية عبرت بقوة عن غضب الشباب من التقاليد السائدة فى تلك الفترة، ثم حركة الشباب الغاضب وهى أيضاً حركة فنية أدبية يدل اسمها على الكثير من طريقة تفكير أصحابها بل ومن أشهر مسرحياتهم (أنظر خلفك فى غضب) تعبيراً عن غضبهم من الحروب العالمية ونتائجها غير الإنسانية، لقد ازدهرت هذه الحركات التى عبرت عن مفاهيم ثائرة على القيم الفنية والأدبية فى القرن العشرين، وكان ظهورها واضحاً جلياً بعد الحروب العالمية فى محاولة للتعبير الصارخ عن التمرد الاجتماعى على الحروب الدامية وما فيها من مصائب وما تبعها من ويلات وأهوال، وما خلفته من القتلى والجرحى والدمار.

يقول «بيكيت» فِى حوار صحفي: فى حفلة ما كان هناك مثقف إنجليزى (يقال عنه كذلك)، سألنى لماذا أكتب دوما عن الأحزان، كأنه من الضلال أن أفعل ذلك، كان يريد أن يعرف إن كان أبى قد اعتاد على ضربي، أو أن أمى قد هربت لتتركنى لطفولة تعيسة، أخبرته أنه لا فقد عشت طفولة سعيدة جداً، ساعتها تضاعف شعوره بضلالى، تركت الحفل فى أقرب فرصة وركبت تاكسي، على الحاجز الزجاجى الذى كان يفصل بينى وبين السائق كانت هناك ثلاث لافتات: واحدة تطلب المساعدة للعميان، وأخرى للأيتام، وثالثة لمساعدة لاجئى الحرب.. أنت لست بحاجة للبحث عن الأحزان، فهى تصرخ فى وجهك حتى فى تاكسيات لندن.

حصل بيكيت على جائزة نوبل فى عام 1969 ورفض استلام الجائزة بنفسه متجنبا بذلك إلقاء خطاب على الملأ عند استلام الجائزة.

وقد تم مؤخرا عرض فيلم بعنوان «Dance first»، وهو تصوير لحياة صامويل بيكيت. يروى الفيلم، من إخراج جيمس مارش، حياة بيكيت منذ طفولته حتى حصوله على جائزة نوبل فى الأدب عام 1969، ويقدم استكشافًا لتطوره ككاتب وتجاربه، بما فى ذلك الفترة التى قضاها مع المقاومة الفرنسية خلال الحرب العالمية الثانية.

تعد مسرحية «فى انتظار جودو» من أهم المسرحيات فى العصر الحديث، بل إن هناك من النقاد من عدها أهم مسرحية كتبت فى القرن العشرين، وكان لهذه المسرحية لصمويل بيكيت، ومسرحية «المغنية الصلعاء» ليونسكو أثر كبير فى انتشار تيار مسرح العبث فى العالم كله، وتَأَثَّرِ كثير من الكتاب بأسلوب يونسكو وبيكيت فى مسرح العبث، وكذلك كانت هذه المسرحية من أسباب فوز صمويل بيكيت بجائزة نوبل، وقد كتب بيكيت هذه المسرحية بعد الحرب العالمية الثانية أولاً: باللغة الفرنسية، ثم ترجمها للغته الأم، وهى اللغة الإنجليزية.

وحين ننظر لأسلوب بناء هذه المسرحية فإننا نراها تتكون من فصلين، وتجرى أحداثها فى منظر ثابت هو أرض جرداء تدل على الفراغ، وفيها شجرة ليس لها إلا نحو أربع ورقات، وقد استدل بطلا هذه المسرحية  –  وهما فلاديمير واستراجون  – على المكان الذى واعدهما جودو بأن يلتقى معهما فيه بهذه الشجرة؛ لأنه لا يوجد شجرة أخرى فى ذلك المكان.

وعدد الشخصيات محدود فى هذه المسرحية، فبها أربع شخصيات أساسية، وشخصية ثانوية، وهى رسول جودو الذى يرسله لفلاديمير واستراجون؛ ليواصلا انتظارهما له فى ذلك المكان ليوم تالٍ، ثم لأيام تالية.

وهذا البناء الشكلى لهذه المسرحية يتفق مع المسرح الكلاسيكى القديم فى قلة شخوصه، وثبات المنظر فيه، ولكنه اتفاق ليس الغرض منه المحاكاة والتقليد، بل إنه اتفاق الغرض منه الهدم، فهذه الشخصيات القليلة لا توجد أبعاد واضحة لها، وهى لا تنمو مع المسرحية، 

وربما كان الشيء الذى يجعلهما يشعران ببعض الحيوية فى حياتهما هو أنهما ينتظران حضور شخص، هو جودو الذى لا نعرف عنه شيئًا، ولا ندرى لماذا ينتظرانه؟! ولا نتوقع أنه سيغير شيئًا فى حياتهما العابثة الخاوية من المعنى، ولكن فعل الانتظار هو الذى يجعلهما يشعران أن هناك ما يمكنهما فعله، وهو يعنى مرور الزمن عليهما؛ وترقب غائب قال: إنه سيجىء، وأرسل رسوله ليؤكد مجيئه، ولكنه لا يأتي، وتنتهى المسرحية وهو لا يأتي، ولا يصاب فلاديمير وصاحبه استراجون بضيق من هذا، بل هما يتعايشان مع هذا الوضع، ولعل ذلك الانتظار الذى لا يحمل أى معنى، لأنه انتظار لغائب لا يأتى – يتوافق مع حياتهما التى تمضى فى أحداث تافهة وتفتقد هى أيضًا للمعنى.

وقد حار النقاد فى المقصود بجودو فى هذه المسرحية، فرأى البعض أنه الموت، ورأى آخرون أنه الخلاص الإنساني، ورأى غيرهم أنه الزمن، وأعتقد أن بيكيت قصد بجودو فى هذه المسرحية الوهم الذى يجعلنا نتمسك بالحياة، وندرك أنه وهم، ولكن لا حياة لنا بدونه؛ لنتمسك بالحياة، ولنواصل العيش فيها.