الجمعة 3 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

2024 مسرح القطاع الخاص.. عودة لم يكتمل بريقها

مستقبل مبهم ومصير غير معلوم يواجه مسرح القطاع الخاص فى مصر مع مطلع العام الجديد 2024، وذلك بعد الصحوة الفنية الكبرى التى بشرت بقدوم فترة من الانتعاش والازدهار الفني، أصيب القطاع الخاص بحالة من التراجع والخمول التدريجي، بعد أن ظلت خريطته تنمو سنة وراء سنة منذ بداية مشروع مسرح مصر الذى سبق وأن أطلقه الفنان أشرف عبد الباقي، والذى استمر فى مواسم متتالية من 2013 وحتى 2019، كان القطاع الخاص فى مصر قد واجه حالة من الكساد الكبرى، منذ اختفاء المسرح السياحى الذى ظل سنوات استمرار الزعيم عادل إمام بمسرح الهرم، وكذلك الفنان الراحل سمير غانم، هذا الكيان المسرحى الكبير شهد فترة من الزخم والثراء الفنى بالقاهرة والإسكندرية غير مسبوقة، لكن بمرور الزمن وتطور الأحداث السياسية والإقتصادية وكذلك تبدل الاهتمامات الاجتماعية انخفض الإقبال على هذا النوع من المسرح، وبالتالى انخفضت أمامه رغبة الكثير من المنتجين فى الاستمرار، وربما لم تكن رغبتهم بقدر ما أكرهوا على التراجع عن الإنتاج بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة التى تعرضت لها البلاد على مدار سنوات طوال.



مرحلة مسرح مصر

لكن بعد أحداث يناير 2011 تنبه الفنان أشرف عبد الباقى بسبب الظرف السياسى المؤلم الذى شهدته البلاد لإمكانية تقديم شيء يعيد البهجة لقلوب الجمهور المصرى الحزين، بذكاء حاد.. رؤية ثاقبة.. وقراءة استثنائية دقيقة لمستقبل رآه قريبا.. وكنا نراه بعيد المنال..استغل الفنان والمخرج أشرف عبد الباقى موهبته فى مجال المقاولات والبناء فى إعادة بناء وترميم خريطة القطاع الخاص من جديد، بعد أن كاد يزول مع حلول عام 2011 انطلق عبد الباقى ومعه المؤلف نادر صلاح الدين رغم الظروف السياسية والاجتماعية القاسية بمشروع «مسرح مصر» فى أواخر عام 2013، وتحققت المعجزة، أنار فى وقت الظلام ما لم نكن نظن أنه سيعود للحياة، ومن وقتها بدأت تتشعب وتتعدد تجارب القطاع الخاص، وكذلك تشعبت تجربته وتكاثرت ذاتيا بأنواع ونماذج مختلفة بعيدة عن النمط الفنى الذى أسس عليه مسرح مصر مثل «جريمة فى المعادي» الذى أعاد به افتتاح مسرح الريحانى وكانت إحدى تجارب القطاع الخاص الفريدة التى تقدم فى مصر لأول مرة عن طريق شراء حق عرض مسرحى إنجليزى وتقديم نسخة منه بالقاهرة، ثم تجربة «اللوكندة» وكانت محاولة لإقامة شكل الست كوم على خشبة المسرح ثم «صباحية مباركة» على مسرح جراند نايل تاور وبالتالى فجر عبد الباقى سبلا أخرى لطرق أبواب وتقديم حلول إنتاجية لم تكن مطروقة من قبل.

«كايرو شو»

كان لعبد الباقى فضل السعى فى البدء والتحرك نحو قطاع خاص جديد، لم يشبه حركة القطاع الخاص فى عقود ماضية، أصبح يعتمد على مجموعة من المشاريع والأفكار الجديدة التى لا تشبه بعضها، وفى الوقت نفسه ظل المنتج والمخرج أحمد الإبيارى يعمل فى ظروف سياسية واقتصادية صعبة للغاية حيث استمر عرض «الزهر لما يلعب» على خشبة مسرح مكتبة مصر الجديدة حتى وفاة بطل العرض الفنان الراحل سمير غانم، ثم أنتج عام 2022 «كازينو بديعة» إخراج طارق الإبيارى وبطولة سمية الخشاب، ثم كانت فترة إنطلاق تجربة «كايرو شو» وهو كيان فنى ضخم تأسس فى شهر أغسطس 2018 بمجموعة من الشركاء المنتمين للوسط الفنى والإعلامى والذين بدأوا فى التخطيط للبحث عن شكل ومستوى آخر من القطاع الخاص، بدأت أولى عروض «كايرو شو» فى شهر يناير 2019 بعرض «3 أيام فى الساحل» للفنان محمد هنيدي، كان الغرض من تأسيس شركة «كايرو شو» إقامة مسرح قطاع خاص جماهيرى بقيمة فنية عالية يستوعب نجوم من أجيال مختلفة، خلال تلك الفترة من 2019 حتى 2021 قدم «كايرو شو» ثمانية عروض مسرحية، خمسة عروض ضخمة مثل عرضى الفنان يحيى الفخرانى «الملك لير» وليم شكسبير ثم «ياما فى الجراب يا حاوي» عن «ليلة من الف ليلة» لبيرم التونسى واحمد صدقي، كل عرض من هذه العروض لم يكتف باسم النجم وحده، بينما تعمدت الجهة المنتجة الاعتماد على مجموعة من الأسماء الكبيرة مع هذا النجم، من عروضهم أيضا «حزلقوم» بطولة أحمد مكي، «علاء الدين والمصباح السحري» بطولة أحمد عز الذى اعتمد على الإبهار الفني، كما قررت الشركة تقديم تجارب أخرى صغيرة بجانب العروض الكبيرة مثل «الحفلة» بطولة بيومى فؤاد، «اللى عليهم العين» إخراج محسن رزق، وعرض الأطفال «نوت فروزين» إخراج محمد الصغير على غرار عروض ديزني.

مرحلة التوقف والتراجع

انتجت الشركة 8 او 9 مسرحيات من 2019 حتى 2022، توقف إنتاج «كايرو شو» فعليا فى 2021، أصبحت العروض تخسر ماليا لأن الشركة لديها كمية ضخمة من المصاريف تتشكل فى أجور النجوم خاصة وهم ليسوا بمفردهم كما أن العرف السائد فى المسرح منذ سنوات مضت أن هؤلاء النجوم يحصلون على نسبة من ايراد اليوم للمسرحية، هذه النسبة تتراوح بين 20 و 35% لبعض النجوم، وبالتالى توالت الأسباب التى أصبحت تعيق مؤسسات القطاع الخاص باعتبارها كيانات مستقلة عن الدولة من هذه المعيقات على سبيل المثال.. أنواع الضرائب المفروضة على المسرح هناك ضريبة الملاهي، ضريبة القيمة المضافة 10% من اجمالى الإيراد كل شهر، 5% الخصم والإضافة، مجموع الضرائب قد يصل إلى 30%، شريحة الكهرباء فى المسارح مرتفعة للغاية لأنها ليست مجرد شريحة تجارية، بينما هى أعلى شريحة بالكهرباء، ايجار المسارح الشهرى ضخم جدا، مسرح «الموفينبيك» كان يصل ايجاره فى الشهر إلى أكثر من 500 ألف جنيه، وكذلك هناك ما يعرف بتكلفة التشغيل وهى تكلفة متغيرة مثل تكاليف الدعاية بأنواعها سواء دعاية السوشيال ميديا وهذه أقل تكلفة، بينما الدعاية الخارجية والتليفزيون تكلفتها باهظة، مثلا دعاية التليفزيون 30 ثانية يصل إلى 300 الف جنيه، المصاريف الشهرية لشركات الأمن الدائمة والنظافة المسئولة عن المكان كل هذه التكاليف تلتهم الإيراد.

أزمة يواجهها المنتجون

لا يعتمد المسرح على الشباك لأنه لا يمثل أكثر من 5%، الاعتماد الأساسى على شركات بيع التذاكر «تيكت مارشيه» و»تذكرتي»، هذه الشركات تحصل على نسبة 10% من سعر التذكرة، كل هذه التكاليف تلتهم أى ايراد وبالتالى أى إنتاج بهذه المواضفات ينتج عنه عروض خاسرة، فى الوقت نفسه ليست هناك سوق مسرحية، ليست هناك حركة قوية وموسم منتظم، كما أن الجمهور غير معتاد على الذهاب للمسرح بشكل منتظم، هناك أزمة أخرى تتلخص فى عدم إقبال المنصات والفضائيات التليفزيونية على شراء العروض، هذه النافذة متعسرة للغاية فالقنوات الخاصة لا تقبل على شراء عروض القطاع الخاص الكبيرة، وبالتالى حتى يتغير الوضع يحتاج المنتجون إلى دور عرض بأحجام متفاوتة من حيث عدد الكراسى والتجيهزات، محاولة خفض تكاليف الإيجار والضرائب، كذلك يرى بعضهم أنه من الممكن إقامة مواسم مسرحية فى مصر بمناطق مثل العالمين وشرم الشيخ والأقصر والإسكندرية، حيث إن المسرح فى وقت مضى كان ينقسم إلى موسمين موسم شتوى بالقاهرة والموسم الصيفى بالإسكندرية، فمن اليسير أن تقام هذه المواسم بمنطق تسويقى تجاري، كما من المهم أن تشجع المنصات صناعة المسرح وتقبل على شراء عروض القطاع الخاص دون متطلبات تعجيزية لأن هذه الحلول من شأنها أن تعيد الحياة لهذا الكيان الفنى الذى يسعى صناعه بكل جهد ودأب للتواجد بأى صورة ممكنة.

تجارب فردية

رغم كل هذه المعوقات القاسية التى تواجه منتجى القطاع الخاص فى مصر والعجز عن التوصل إلى حل من تلك الحلول السابق ذكرها، إلا أن بعض هؤلاء المنتجين أقدموا بجرأة وشجاعة على التجريب بالقطاع الخاص، بتقديم محاولات فردية ناجحة بينما أصبح استمرارها مرهونا بضرورة البحث عن حلول جذرية لكل معوقات السوق الخاضعة للمكسب والخسارة، من هذه التجارب والتى انتصرت لجودة المنتج الفنى نفسه على حساب النجم عرض «تشارلى شابلن» اقبلت على انتاجه شركة «سى سينما» عام 2023 نجح العرض كمنتج فنى موسيقى استعراضى ضخم، وضع فيه المخرج أحمد البوهى خلاصة خبرته فى كيفية صناعة عمل موسيقى استعراضى كبير بمجموعة من الفنانين الموهوبين مثل محمد فهيم وعماد إسماعيل، ويستمر عرضه حتى يوم الأحد 7 يناير الجارى بينما لا يعلم صناعه متى سيعود على خشبة المسرح مرة أخرى، كذلك تجربة عرض «ولا فى الأحلام» للمخرج هانى عفيفى وإنتاج إبراهيم موريس قدم المنتج أيضا تجربة انتصرت للمنتج الفنى لصناعة عمل موسيقى استعراضى بطولة مجموعة من الشباب محمد عبده وهانى عبد الناصر، منى هلا، لعب أيضا على جودة المنتج الفنى وافتتح المنتج مسرح قصر النيل بهذا العمل الذى لم يستمر عرضه سوى شهرين فقط..!، ثم أقدم محمد أحمد السبكى على إنتاج عمل موسيقى استعراضى كبير للفنانة دنيا سمير غانم «آنستونا» للمخرج خالد جلال والذى شهد نجاحا فنيا وجماهيريا كبيرا وشاركها البطولة بيومى فؤاد وسامى مغاورى وكريم عفيفي، استمر العمل طوال عام 2022 كذلك يجد المنتج صعوبة وتردد فى العودة به، كما أقدم المؤلف أيمن بهجت قمر على إعادة إنتاج عرض «سيدتى الجميلة» للمخرج حسن عبد السلام وقدمها برؤية معاصرة مصطفى حسنى بطولة أحمد السقا وريم مصطفى نجحت التجربة واستمرت فترة من الزمن لكن لم تتم إعادتها للمرة الثانية!

صبحى تجربة غير متكررة

بين كل هذه العواصف التى زلزلت صناعة القطاع الخاص فى مصر، شكل المخرج والفنان محمد صبحى وحده حائط صد لها، تمكن من البقاء فى وضع استثنائى للغاية وبأسلوبه الاستثنائى أيضا فى اتباع منطق مختلف بالإنتاج الفني، حيث يشكل محمد صبحى حالة خاصة لا يقاس عليها لأنه المخرج والمنتج والبطل، هو الفنان الوحيد حصرا المستمر منذ حقبة السبعينيات وحتى اليوم، يتمتع مسرح محمد صبحى بمواصفات معينة، يقدم كوميديا لها مواصفات أخلاقية لجذب نوع معين من الجمهور، هذه النوعية من الجماهير لم تعد هى الباقية وحدها كما أن لديه مسارحه الخاصة، وبالتالى لا يتكبد عناء الإيجار هو يعمل فى مدينة سنبل منذ 20 عاما بجانب اعتماده على اسمه ورصيده لدى الجمهور بشكل كبير، يسعى للإنتاج بأقل الإمكانيات المتاحة من واقع خبرة السنوات بالمسرح منذ سبيعينيات القرن الماضي، يستطيع الخروج من مأزق الأعباء المادية الكبرى التى يواجهها المنتجين، يقلل إلى اقصى حد تكلفة الإنتاج وكذلك الأجور، صنع صبحى لنفسه منذ ثنائيته الاستثنائية وغير المتكررة مع الكاتب الراحل لينين الرملى كيانا فنيا خاصا يخصه وحده.. سواء فى منطق العروض المقدمة أو فى منطق انتاجها الفني، لذلك هو تركيبة لا يستطيع أحد محاكتها، تجربة فى القطاع الخاص غير قابلة للتصدير، يحسب له الإصرار على التواجد، ويعتبر تجربة ملهمة للشباب العاملين بالمسرح المستقل الذى يرى فيه بعضهم نموذج من الممكن محاكاته، لكن بالوضع الحالى للسوق التجارى والفنى قد تقتصر هذه التجربة وتتوقف عند صانعها محمد صبحى وحده، قدم مؤخرا عروض «خيبتنا»، «أنا والنحلة والدبور»، وأخيرا «عيلة اتعملها بلوك»، هكذا شهد مسرح القطاع الخاص حالة من الزخم الفنى لبعض الوقت وعودة مسرحية لم يكتمل بريقها، لكنها تسعى للاستمرار بمحاولات وجهود مبدعيها فى ظروف اقتصادية شديدة الصعوبة والقسوة!!