الأحد 24 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

إشادة دولية بالقضاء على فيروس سى

جون وارد: مصر حققت أحد أعظم الإنجازات بمجال الصحة العامة فى هذا القرن

فى أوائل أكتوبر، أصدرت منظمة الصحة العالمية (WHO) إعلانًا كان من الممكن أن تحلم به القاهرة قبل بضع سنوات فقط، إذ أكدت أن مصر، فى أعقاب إطلاق حملة وطنية لا مثيل لها ضد التهاب الكبد الوبائى سي، لتصبح أول دولة فى العالم تسير على الطريق الصحيح لإنهاء الوباء بحلول عام 2030، ويُعد هذا الإنجاز رائعًا للغاية بالنظر إلى حقيقة أنه قبل عقد واحد فقط، كانت مصر الدولة التى سجلت أعلى معدلات إصابة بفيروس سى فى العالم. لكن بين عامى 2014 و2020، شرعت فى واحدة من أكبر حملاتها الصحية على الإطلاق، والتى تهدف للقضاء على المرض من على الخريطة، حيث حشدت عشرات الآلاف من القوى العاملة فى مجال الرعاية الصحية، وفحصت 50 مليون شخص وعالجت أكثر من 4 ملايين مواطن حتى الآن، ومع ضمان النجاح والدروس المستفادة والاعتراف من مجتمع الصحة العالمي، قررت القاهرة أن تخطو خطوة أخرى إلى الأمام وتساعد البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط، خاصة فى إفريقيا، على تكرار تطبيق برنامجها.



من جانبه، قال المدير العام لمنظمة الصحة العالمية «تيدروس أدهانوم جيبريسوس» فى أكتوبر الماضي: «رحلة مصر، من الإصابة بواحد من أعلى معدلات الإصابة بالتهاب الكبد سى فى العالم إلى السير فى طريق القضاء عليها فى أقل من 10 سنوات، مذهلة»، مضيفًا أن مصر مثال للعالم لما يمكن تحقيقه بالأدوات الحديثة والالتزام السياسى على أعلى مستوى باستخدام تلك الأدوات لمنع العدوى وإنقاذ الأرواح، فنجاح مصر يجب أن يمنحنا جميعًا الأمل والتحفيز للقضاء على التهاب الكبد C فى كل مكان».

بداية الوباء

يكمن أصل وباء التهاب الكبد الوبائى «سي» فى مصر فى حملة صحية تم تصميمها لعلاج وباء سابق فى الفترة  بين الأربعينيات والسبعينيات من القرن الماضي، وكان منتشرًا بصورة كبيرة فى المناطق الريفية، وكان ذلك المرض ناتجًا عن ملامسة الديدان الطفيلية بمياه النيل، ، وذلك حسبما أكد الدكتور إمام واكد، الأستاذ بقسم أمراض الكبد فى مصر بالمعهد القومى للكبد.

وأشار الدكتور إمام واكد، إلى أن العلاج الوحيد الذى كان موجودًا فى ذلك الوقت للمرض هو الحقن عن طريق الوريد،  لكن التهاب الكبد لم يكن معروفًا بعد، ولم تكن المحاقن التى يمكن التخلص منها متوفرة، لذلك، عندما بدأت الحكومة فى الترويج لحملة وطنية لمكافحة المرض، بدءًا من الخمسينيات من القرن الماضي، نشرت عن غير قصد فيروس التهاب الكبد الوبائى سي، موضحًا أنه لعلاج مجموعات من 500 إلى 600 شاب، كان يتم استخدام من 15 إلى 20 حقنة فتم نقل الفيروس بينهم، وتم انتشار الفيروس بعد ذلك من خلال عمليات نقل الدم، فى العيادات الصحية، ومن خلال المزيد من الحقن».

وتابع: «بحلول بداية العقد الأول من القرن الحادى والعشرين، تم القضاء على مرض البلهارسيا عمليًا، لكن فى عام 2008، وجد مسح ديموغرافى وصحى أن 15٪ من المصريين مصابون بأجسام مضادة لالتهاب الكبد سي، مما يشير إلى أنهم كانوا على اتصال بالفيروس، وأن 10٪ من الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و59 عامًا كانوا يعيشون بعدوى مزمنة، وبعد سبع سنوات،  اكتشفت دراسة أخرى وجوده بين 7٪ من البالغين، لكن هذا الانخفاض كان بسبب حقيقة أن التهاب الكبد C كان أكثر شيوعًا بين الفئات العمرية الأكبر سنًا- الذين عولجوا من داء البلهارسيا قبل عقود - منه بين الشباب، وهو عامل قلل من نسبة الأشخاص المصابين بالتهاب الكبد C، لكن ذلك لم يشر إلى أن العدد الإجمالى للحالات قد انخفض.

وقال د.محمد القصاص، الأستاذ ورئيس قسم الطب المستوطن فى جامعة حلوان بالقاهرة: «لسنوات عديدة، تم تمييز مصر على أنها الدولة التى لديها أعلى معدلات التهاب الكبد C فى العالم، وكل أسرة فى مصر لديها فى المتوسط فرد واحد على الأقل مصاب بالتهاب الكبد سي»، مضيفًا أن العواقب على البلاد كانت مؤلمة، ففى عام 2015، تسبب التهاب الكبد C فى وفاة 40 ألف شخص، وهو ما يمثل 7.6٪ من إجمالى الوفيات فى البلاد، وكان مسئولاً عن انخفاض متوسط العمر المتوقع بنحو 1.8 عام فى الرجال وسنة واحدة فى النساء،  كما تسبب فى انخفاض الناتج المحلى الإجمالى الوطنى بنسبة 1.5٪ سنويًا، أو ما يقدر بنحو 5 مليارات دولار سنويًا، وفقًا لتقديرات البنك الدولي.

وأضاف:« كان أحد أهم جوانب الحملة التى أطلقتها مصر هو سرعتها، حيث افتتحت الدولة ما يقرب من 16000 موقع اختبار فى جميع أنحاء البلاد، بما فى ذلك 1000 وحدة متنقلة، وكانت النتائج متاحة فى غضون 20 دقيقة، ويتم إرسال الذين ثبتت إصابتهم إلى موقع آخر لتأكيد نتيجة الاختبار،  وفى غضون سبعة أيام، تم توجيه أولئك الذين تأكدت إصابتهم إلى مركز للعلاج لمدة 12 أسبوعًا.

واستطرد: «كان أحد العوامل الرئيسية الأخرى وراء نجاح الحملة هو الإرادة السياسية القوية لمعالجة الوباء، بما فى ذلك إرادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، كما أطلقت الحكومة حملة ترويجية واسعة النطاق وزيادة الوعى عبر المنصات الإعلامية والشبكات الاجتماعية والرسائل النصية وعلى المستوى الشعبي، حيث كان من المهم بنفس القدر أن تعتمد على البنية التحتية للرعاية الصحية الحالية والمهملة ولكنها واسعة النطاق فى البلاد.

 وأكد جون وارد، مدير التحالف العالمى للقضاء على التهاب الكبد:« لقد أصبحت مهمة القضاء على الوباء أولوية وطنية للجميع: الحكومة والمجتمع المدنى»، مضيفًا: «كان هناك التزام حقيقى بالعدالة الصحية، وكان على جميع المصريين الاستفادة من البرنامج، فبفضل الحملة، انخفض معدل التهاب الكبد C من 10٪ إلى 0.3٪ أو 0.4٪، وهذا إنجاز لا يصدق، إنه أحد أعظم الإنجازات فى مجال الصحة العامة العالمية، فى هذا القرن».

وبحلول نهاية الحملة، تم اختبار 50 مليون مصري، وكان من بين هؤلاء، 2.2 مليون مواطن نتيجة فحصهم كانت إيجابية وأجروا اختبار تأكيد، حيث تم التحقق من الوضع الإيجابى لـ1.6 مليون، تم علاج 900.000 حالة، و700.000 حالة أخرى بعد انتهاء الحملة، إذ كان معدل التعافى 98٪، ثم تم توسيع الحملة لتشمل القصر، حيث تم اختبار 3.8 مليون طالب.

تجربة ملهمة

نجاح حملة القضاء على « فيروس سي» التى أطلقتها مصر، والخبرة التى اكتسبتها على طول الطريق، أصبحت أصولًا مهمة تعتقد منظمة الصحة العالمية أنه يمكن استخدامها من قبل بلدان أخرى منخفضة ومتوسطة الدخل لتطوير خططها الخاصة للقضاء على الوباء، إذ أن 75٪ من المصابين بالمرض موجودون فى هاتين الفئتين من البلدان، وذلك وفقًا لمنظمة الصحة.

وقال الدكتور إمام واكد:« فى إفريقيا، يختلف الوضع اختلافًا كبيرًا عن الوضع فى مصر فى أصعب لحظاتها، لأن التهاب الكبد C أقل انتشارًا، حتى فى البلدان التى تعانى أكثر من غيرها من الفيروس، مثل جمهورية الكونغو الديمقراطية ونيجيريا، تتراوح المعدلات من 3٪ إلى 4٪»، مستطرداً:« وبسبب إمكانية تحقيق الهدف جزئيًا، أعلنت وزارة الصحة المصرية فى قمة إفريقية لالتهاب الكبد عام 2019، أن القاهرة، التى كانت فى ذلك الوقت رئيسة الاتحاد الإفريقي، على استعداد لتقديم الدعم التقنى والخبرة والعلاج المجانى للبلدان فى جميع أنحاء القارة، وحددت هدفًا أوليًا للوصول إلى مليون فرد».

 وأردف واكد: «عندما اكتشفنا أن التهاب الكبد سى كان من السهل علاجه وأن الدواء فى مصر كان رخيصًا جدًا، قررنا مساعدة الدول الإفريقية التى تحتاج إلى العلاج من خلال توفير الخبرة الفنية والتكنولوجيا والاستشارة والأدوية المجانية»، مضيفًا:«أنه لأمر جدير بالثناء أن تقوم مصر بتوسيع الدبلوماسية الصحية لتشمل هذه الدول، وكانت غانا من أوائل الدول التى استفادت، حيث وجد مسح عام 2021 أن معدل التهاب الكبد C فى عينة من 100000 شخص كان 2.6٪، مع معدلات أعلى بكثير فى مناطقها الشمالية، وفى مارس 2023، أرسلت مصر إلى غانا أول تبرع بالعقاقير لعلاج المرض.