السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
الماضى المعروف

الماضى المعروف

النوستالجيا أو الحنين إلى الماضى هى حالة يشعر بها الكثيرون خاصة كلما تكاثرت وتداعت عليهم متاعب الحاضر، فالماضى بالنسبة لهم جميل وبسيط وآمن ولا يرون فيه إلا كل ما هو ممتع ومسلٍ وبرىء، ربما يأتى هذا الأمر لأن من يشعر بذلك لم يكن بالوعى الكافى خلال معايشته للحياة فى هذا الماضى وربما لأن الماضى مهما كان قاسيًا فإنه انتهى ببساطة وخرج الشخص منه حيًا.



العجيب أن تلك الحالة لا ترتبط دائمًا بسوء الحاضر ومخاطره، ففى الكثير من الأحيان يكون الحنين إلى الماضى مرتبطًا بأشياء أقل روعة مما هو متاح والأمثلة على ذلك كثيرة، فالبعض يحن إلى عصر ما قبل الإنترنت وإلى عصر ما قبل الهواتف الذكية وإلى عصر التلفاز القديم بقناتيه الأولى والثانية تاركًا خلفه الإنترنت وما تحتويه الهواتف الذكية وتطبيقات التواصل الاجتماعى والقنوات الفضائية والمنصات الرقمية.. إلخ.

والحقيقة أن الماضى لم يكن بالوداعة التى يتصور من يحن إليه أنه كان، فالماضى ومنذ بدء الخليقة، احتوى على قتال وحروب وأوبئة وأمراض وكذب وغدر ومجاعات وكوارث طبيعية وأزمات متعددة بل ربما لم يكن الإنسان يملك من أدوات المجابهة والمكافحة ما يملكه اليوم ومع ذلك تستمر حالة النوستالجيا فى الانتشار.

الأمر المثير للانتباه أن حالة النوستالجيا قد تتطور إلى خلل عقلى وسلوكى عندما ينخرط صاحبها فى الماضى- غير الموجود - ويمتنع عن التواصل والانخراط فى الحاضر.

أتذكر إحدى الروايات التى كان فيها البطل مهاجرًا إلى الغرب ومع ذلك استمر فى الإحساس بالحنين إلى الوطن وإلى مفردات الفترة التى تركه فيها فما كان منه إلا أن خصص غرفة فى منزله الواسع، أثثها بأثاث قديم وعلق لوحات قديمة، يتجه إلى تلك الغرفة كلما شعر بالضيق والتوتر ليستمع إلى أنغام كوكب الشرق السيدة أم كلثوم خلال إعداد فنجان من القهوة على موقد قديم، وبالرغم من عبثية الفكرة إلا أنها قد تكون مناسبة كإحدى أفكار التسويق.

فعلى سبيل المثال تقوم بعض المطاعم بعمل ديكور قديم وتقدم مأكولات تقليدية حتى إن العاملين فيها يرتدون أزياءً تعود لعشرات السنين مع أنغام لأغانى تلك الفترة، ولا يقتصر رواد تلك المطاعم على من عايش تلك الفترة ويشعر بالحنين بل إنها تكون أحيانًا مناسبة للأجيال الجديدة ليتعرفوا على الماضى عن كثب.

ولا أعرف إن كان من الممكن التوسع فى تلك الفكرة لتشمل مجالات أخرى أم لا خاصة أن الأمر لن يقتصر على المصابين بالنوستالجيا فقط بل ربما تكون علاجًا لحالة الجنون والهستيريا التى نعيش فيها حاليًا بسبب عصر المعلومات شديد السرعة وشديد القسوة أيضًا.