السبت 4 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

واحة الإبداع

اللبن الصابح

الأعمال للفنان: هشام رحمة



يسيل بجوار النيل فى بر مصر نهر آخر من الإبداع.. يشق مجراه بالكلمات عبر السنين.. تنتقل فنونه عبر الأجيال والأنجال.. فى سلسلة لم تنقطع.. وكأن كل جيل يودع سره فى الآخر.. ناشرا السحر الحلال.. والحكمة فى أجمل أثوابها.. فى هذه الصفحة نجمع شذرات  من هذا السحر.. من الشعر.. سيد فنون القول.. ومن القصص القصيرة.. بعوالمها وطلاسمها.. تجرى الكلمات على ألسنة شابة موهوبة.. تتلمس طريقها بين الحارات والأزقة.. تطرق أبواب العشاق والمريدين.  إن كنت تمتلك موهبة الكتابة والإبداع.. شارك مع فريق  «روزاليوسف» فى تحرير هذه الصفحة  بإرسال  مشاركتك  من قصائد أو قصص قصيرة أو خواطر «على ألا تتعدى 550 كلمة» مرفقا بها صورة شخصية على الإيميل التالى:

[email protected]

 

اللبن الصابح

 

قصة قصيرة

 

كتبها- سمير لوبة

 

 مقعدٌ وطبشورٌ وسبورةٌ، جرسُ الفسحةِ ضرب، تلتقمُ الجبنَ بخبزٍ يابسٍ مع وريقاتِ الجرجيرِ وحبةِ طماطمِ، وإلى جانبِ الحائطِ تجلسُ برفقةِ قريناتِها، ومع رنينِ جرسِ الانصرافِ تخرجُ مع مثيلاتِها يافعاتٍ إلى بيوتِهن يعملنْ فقد أرضعتهن الحالُ الرضَا بالمكتوبِ، فى الليلِ يتقلبُ أبوها على السريرِ فى جلبابِه الأبيضِ، تلقى بنفسِها على الحصيرةِ ليرقدَ الجسدُ بينَما أحلامُها تحلقُ عاليًا كالطيرِ، وفى إحدى الأمسيةِ يعجُ البيتُ الريفى بالضيوفِ رجالًا ونساءً ؛ تنطلقُ الزغاريدُ لتزفَها إلى بيتِ الزوجيةِ، يستمرُ طنينُ النحلِ يتبعُه زنُّ الدبابيرِ، ومع فجرِ كلِ يومٍ لا تكفُّ النحلةُ عن الطنينِ، يجلسُ الزوجُ على الكنبةِ فى جلبابِه الأبيضِ الناصعِ يلفُه دخانُ سيجارتَه، فى حين تحطُّ النحلةُ على بيوتِ القريةِ تجمعُ السمنَ وزجاجاتِ اللبنِ وسلالَ البيضِ، وأمامَ الفرنِ تلتهبُ وجنتاها حمرةً ؛ تخبزُ الفطيرَ، تصنعُ الجبنَ لا تجدُ الوقتَ لقضاءِ حاجتِها، وبينَما يطفئ الليلُ قناديلَه وتتثاءبُ النجومُ فى سمائها الرماديةِ تأتى عربةٌ نصفُ نقلٍ، يقفُ زوجُها فى جلبابِه الأبيضِ يدخنُ سيجارتَه بينَما هى فى جلبابِها الأسودِ يلفُها من تحتِه السروالُ، تقومُ برفعِ بضاعتِها على العربةِ تتبعُ إرشاداتِ الزوجِ وقد جلسَ على كرسى يحتسى الشايَ، وما إن تنتهى حتى تلقيَ جسدَها إلى صندوقِ العربةِ وأسرُّوها بضاعةً، يربطُها السائقُ مع الأحمالِ، وتنطلقُ السيارةُ على الطريقِ السريعةِ، وفى سوقِ المدينةِ تفترشُ أرضَ السوقِ حولَها البضاعةُ غيرُ مكترثةٍ بقيظِ صيفٍ أو برودةِ شتاءِ، تتهافتُ عليها نساءُ المدينةِ يبتاعون بينَما تلتصقُ بفرشتِها حتى ترتديَ الشمسُ ثوبَ الغروبِ، تأتيها العربةُ لتحملَ أوانيها وسلالَها الفارغةَ فترمى جسدَها المرهقَ فى صندوقِ العربةِ، تتوقُ لحمامٍ ونومٍ هانئ، تحطُّ العربةُ أمامَ البيتِ فإذا بزوجِها قادمٌ من عندَ الحلاقِ وقد هذبَ شعرَه ونمقَ شاربَه يفوحُ منه عطرُ الكولونيا، يمدُّ يدَه يلتقطُ منها كيسَ نقودِها، يرسلُ ابنَه ليشتريَ له علبةَ السجائرِ الفاخرةِ فى حين تحملُ على رأسِها الأوانى والسلالَ الموحلةَ ترميها على أرضيةِ الزريبةِ، يخرجُ الزوجُ من حمامِه فتندفعُ إلى داخلِه تفرغُ مثانتَها التى توشكُ أن تنفجرَ، فى حجرتِها الزوجُ فى جلبابِه الأبيضِ الناصعِ يدخنُ سيجارتَه وما إن انتهى منها حتى ألقى بعقبِها على الأرضيةِ غيرَ مكترثٍ، تلقى جسدَها المنهارِ على الحصيرةِ تحملُ فى حناياها صراخًا صامتًا، تنامُ حتى يتبينَ الخيطُ الأبيضُ من الخيطِ الأسودِ من الفجرِ لتطيرَ إلى بيوتِ القريةِ تجمعُ السمنَ وزجاجاتِ اللبنِ وسلالَ البيضِ وأمامَ الفرنُ تخبزُ الفطيرَ وتصنعُ الجبنَ استعدادًا للسوقِ، بينَما الزوجُ يتقلبُ فوقَ السريرِ فى جلبابِه الأبيضِ الناصعِ، مازالَ طنينُ النحلِ مستمرًا يتبعُه زنُّ الدبابيرِ.