البهجة تحزم حقائبها
لا أقصد هنا المجموعة القصصية الرائعة للراحل مكاوى سعيد والتى تحمل نفس العنوان، بل إننى هنا أتحدث عن نوع آخر من البهجة، بهجة إعمال العقل والتحليل والمقارنة والاستنتاج وغيرها من العمليات العقلية والتى ستتأثر كثيرًا خلال الفترة القادمة مع تغول أنظمة الذكاء الاصطناعى فى كافة مناحى الحياة وفى الأمور الشخصية للبشر أيضًا.
ولأجيال ما قبل عصر المعلومات دعونى أحدثكم عن بهجة البحث والتنقيب أولًا، أى البحث عن المعلومة والتى قد تستغرق أيامًا أو أسابيع من السؤال والجرى هنا وهناك حتى نصل إلى معلومة أو خبر، هذه البهجة وهذا الإحساس بالنصر قد اختفيا تمامًا تقريبًا مع دخولنا إلى عصر المعلومات والشبكات وقواعد البيانات والمنصات الإعلامية والبحثية وغيرهما، فالمعلومة أصبحت على بعد ثوانٍ بمجرد الضغط على زر البحث فى أى من محركات البحث حتى نجد أنفسنا أمام سيل من البيانات والمعلومات والأخبار الصحيحة والمغلوطة وهو ما نقلنا إلى مستوى جديد من البهجة وهى بهجة التقييم لما نراه ونتحصل عليه ثم نصل فى النهاية إلى قناعة أو اعتقاد بناء على ما قمنا به من عمليات عقلية.
ثم ننتقل إلى بهجة أخرى وهى بهجة التوقع توقع المستقبل أو توقع الأجزاء غير الظاهرة من المعلومة أوالخبر، وكم تكون البهجة كثيرة عندما يصدُق التوقع أو الاستنتاج، أما اليوم ومع انتشار أنظمة الذكاء الاصطناعى فإن بهجة البحث ومن بعدها بهجة الاستنتاج أو التوقع أصبحا فى خطر داهم، فتلك الأنظمة قادرة على استكمال الناقص أو توقع القادم، ربما ما يزال الإنسان قادرًا على تقييم تلك التوقعات وتلك الاستنتاجات المولدة من تلك الأنظمة ولكن الخطورة ستكون على الأجيال الجديدة التى ستعتمد ومنذ نعومة أظافرها على تلك الأنظمة للقيام بكل شيء وكما نعرف فإن للعقل لياقة تتشابه تمامًا مع اللياقة البدنية فالإنسان الذى لا يحرك جسمه ولا يعرض عضلاته للمجهود يتحول إلى إنسان كسيح معتمد على الأجهزة والآلات فكيف سيكون شكل عقله عندما يعتمد على تلك الأنظمة وكم سيتبقى له من بهجة؟.