مروة فتحى
رحلة 404
لسنا مثاليين ولا ندعى المثالية، ولا ننكر أننا نخطئ ونلوم أنفسنا، نستفيق ثم نعاود الكرة، يتجدد الذنب ذاته أو غيره، وسرعان ما نشعر بتأنيب الضمير فنتراجع عن ذلاتنا، نقرر العودة إلى الله نادمين تائبين وعازمين على ألا نرجع للذنب ثانية، ثم تلهينا الدنيا فتضعف نفوسنا ونقع فى فخ الذنوب مجدداً، نظل فى هذه الدائرة كأنها حرب شرسة ضد الغواية والتمسك بالثبات، مثل تلك التى خاضتها «غادة السعيد» أو منى زكى فى «رحلة 404» الذى يعرض حالياً فى دور السينما وحقق إيرادات مُرضية حتى كتابة هذه السطور.
منى زكى أو «غادة السعيد» فى الفيلم ارتكبت كبائر الذنوب وأصغرها، بداية من فقدان عذريتها، عندما كانت طالبة جامعية مع من أحبت وهوت، خذلها وتركها فقررت أن تنتقم من نفسها بالدخول فى علاقات مع كل زملاء مدرجها، حتى احترفت الموضوع وتحولت لفتاة هوى، ثم تزوجت من رجل بنفس الاسم - لكنه كان مؤمناً يعانى من عقدة «أوديب»، تزوج غادة انتقاما من والدته التى كانت تنتهج طريق غادة نفسه وقت الجامعة، لكن الفرق أن غادة لم تستمر فى الرذيلة، واستيقظ ضميرها وأوعز فى نفسها أن تتطهر وتغتسل من كل هذه الذنوب بالحج والذهاب على متن رحلة 404، وكأنها فى الحقيقة رحلة تعبر عن مطلب عام واحتياج ضرورى ورغبة عارمة لكل من يعيش فى صراع مع نفسه فى خضم رحلته الخاصة لمقاومة كل ملذات ومغريات الحياة فاقداً للثبات، ولكن غادة تواجه الاختبار الأصعب قبل الذهاب لمكة، عندما تدخل والدتها المستشفى لإجراء عملية تتطلب أموالا كثيرة تفوق قدرتها المادية، فتخوض رحلة فى اتجاه مختلف من أجل جمع المبلغ المطلوب، وتتعرض للغواية بعد أن قررت التخلص من كل خطاياها التى أثقلت كاهلها والتوبة الخالصة والذهاب إلى مكة.
أزمة دينية تعيشها غادة مثلما يعيشها كثيرون منا، ففى الوقت الذى تقرر أن تولى وهنا شطر المسجد الحرام تقع فى فخ الاحتياج للمال الذى لا تملكه، فتضعف وتسرق ثم تفيق، وتضعف وتبيع ضميرها لبيع قطعة أرض غير صالحة للبناء، ثم تقبض الثمن ولكنه يؤخذ منها لتتطهر من المال الحرام عنوة، فالحياة المثالية التى نريد أن نحياها لا تحدث بسبب الظروف الخارجية، ولكنها تحدث بسبب التغيير الداخلى الذى نحدثه بأنفسنا، وفى «رحلة 404» أصابتنى حالة جعلتنى أشعر بالرضا تارة وبالحزن تارة أخرى، بالاطمئنان وبتأنيب الضمير - حالة متشابكة من الاحاسيس الإنسانية المشروعة قلما يحدثها عمل سينمائى فى النفس، فكلنا خطائون باختلاف درجات تدينا، ورحلة 404 يجعلك بسلاسة تشعر أنك إنسان طبيعى للغاية، لست ملاكا أو شيطان، ولكنك بشر قد تخطئ وقد تصيب، لست مثالياً طوال الوقت، ولست كاملاً أبدا، ولكن رغبتك فى العودة دائماً دليل على طهارة قلبك وصفاء روحك وسلامة نيتك، لديك أخطائك وذلاتك وذنوبك مهما كثرت أو قلت، لكن بالعودة والتوبة والتطهر تثق فى مغفرة الله وعفوه، ولما لا والله هو العفو الغفار الجبار، ولما لا وهناك دعاء دائماً يصحبه بكاء.
منى زكى باستايل ملابسها فى الفيلم لمست امرأة هذا العصر بتطوراته ومغرياته ورتمه السريع المتلاحق، لمست تلك المرأة التى تتأرجح بين الثبات والغواية، ولمست هذه الفتاة المترددة بيت خلع الحجاب أو ارتدائه، ولمست تلك المرأة المطلقة التى ترغب فى الزواج على سنة الله ورسوله، أتتزوج عرفيأ لتحافظ على حضانة أبنائها أم تعلنه وتخسر أبناءها، وكذلك تلك السيدة الأرملة التى ترغب فى أن يكون لها شريك حياة يُشعرها بالونس فى آخر أيامها لكنها تخشى رد فعل أبنائها ومجتمعها، الذى يكبلها ويقيد فكرها ويجعلها سجينة لمعتقدات وحبيسة لأفكار وعادات عفا عنها الزمن أو بالأحرى أكل عليها الدهر وشرب، سطوة وسيطرة يمارسها الأهل والمجتمع، فيُنظر إليها نظرة اتهام وكأنها مذنبة دائماً سواء أخطأت أم لم تخطئ، سواء اعترضت أم صمتت، لا يثق الأهل بها فتلجأ لآخرين يرمون شباكهم حولها وكأنها كائن ضعيف هش لا حول له ولا قوة، يرمقونها بنظرات إدعاء وافتراء، وهى فى الأساس متجهة على متن رحلة 404 مثل غادة السعيد للتطهر جسدياً وروحيا من كل الذنوب بكل صدق وإخلاص، وكما قالت غادة فى الفيلم «ربنا هو اللى بيحاسب»، فكفوا عن إصدار الأحكام ومحاسبة الآخرين يرحمكم الله