الخميس 2 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
سوكة سوكة سوكة

سوكة سوكة سوكة

فى فترة المراهقة، ربما قبل أربعين عامًا من اليوم، انتشرت دعابة بين الأصدقاء، أن يأتى أحدهم ويقول للآخر «قول سوكة 20 مرة»، فيبدأ الصديق الثانى فى قول «سوكة.. سوكة.. سكوة»، وبعد أن ينتهى يفاجأه الصديق بسؤال غريب قائلًا «الجاموسة بتشرب اللبن بإيه؟»، وبسرعة البرق تأتى الإجابة العبثية «بالشوكة طبعًا»، وهنا يبدأ ضحك لا ينتهى، فأولًا الجاموسة لا تشرب اللبن، ثانيًا لا يمكن لأى كائن حى ولا حتى الإنسان أن يشرب اللبن بالشوكة ولكن هذه الحيلة لم تفشل إلا قليلًا، فالجميع ينظر إلى آخر خطأ وهو «السوكة» ويعمل عقله فى هذه الجزئية فقط فيضع ثلاث نقاط لتصبح كلمة ذات معنى «الشوكة» متصورًا أنه قد نجا من الفخ الذى حاول الصديق الأول أن يوقع به فيه.



وعلى الرغم من طرافة الدعابة وعبثية الموقف فإنه ذو دلالة مهمة خاصة هذه الأيام والتى اختلط فيها الحابل بالنابل بالنائم بالراكب بالماشى بالحى بالميت، عصر شبكات التواصل الاجتماعى وما تحمله من أكاذيب وتقاليع وموضات وأنماط، لا يمكن لأى مستخدم عتيد الاستخدام أن ينجو من تلك الفخاخ المنصوبة داخله إلا كما حاول من وضع ثلاث نقاط على السين لتصبح شين كي ينجو.

من يأتى من خارج تلك الشبكات ويدخل إليها سيكتشف كم التفاهة والزيف والادعاء والسماجة وهدر الوقت والمجهود واهلاك الأعصاب والتوتر والإرهاق النفسى والعصبى والذهنى والبدنى الذى سيشعر به عند الانغماس فى هذا المستنقع.

الأمر الأسوأ من تلك الظواهر الخطيرة عندما تعرف من هو المستخدم الذى ينشر تلك التفاهات، ترى صورة الحساب ولا تعرف سنًا أو مستوى تعليم أو أخلاق القائل، من المرات التى أصبت فيها بالانزعاج عندما طلب أحد مسئولى إحدى الصفحات المهمة أن يفصح كل شخص عن سنه، وهو ما كان صدمة حقيقية فبعضهم لم يتجاوز العاشرة ومن يتجاوز العشرين يعتبرونه من كبار السن وهنا تشعر كم كنت مغفلًا أن تتفاعل وتنفعل وتتأثر بما تم نشره على صفحة كل من فيها أقل من سن الرشد، وأنا هنا لا أقلل من قيمة النشء ولا من ثقافة بعضهم ولكن ليس كل الأمور يمكن أن يعرفونها أو يتحدثون فيها بثقة الجهلاء، فلا يمكن على سبيل المثال لا الحصر أن تعرف حل مشاكل تغير المناخ من خلال ما يلقيه إليك طفل لم يتعد العاشرة أو تحدثك فتاة لم تصل لسن الحيض بعد على أن لديها حلولًا للتوترات الإقليمية أو حلًا للأزمة الروسية- الأوكرانية.

الأمر أخطر كثيرًا من زيارة عنبر 25 للحالات الخطرة فى مستشفى المجانين- شفا الله الجميع- ففى هذا العنبر أنت تعرف أن النزلاء مصابون فى عقولهم ولذلك تأخذ حذرك دائمًا، أما فى هذا العنبر الافتراضى المتسع فأنت تعتقد أنك تجالس العقاد وطه حسين وفولتير ثم تكتشف أن محدثك هو على علوكة وأشرف كخة.