السبت 4 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
تحدى الكلمات البذيئة

تحدى الكلمات البذيئة

أصبح مقبولاً تغلغل السوشيال ميديا فى كل جوانب حياتنا، نطوعها لخدمتنا وخدمة أهدافنا فى مجال العمل أو حتى فى محيطنا الاجتماعى وغيره، قد نفلح فى ذلك أحيانًا- وفى أحيان أخرى كثيرة نفشل فشلا ذريعا، عندما تطوعنا هى وتشكلنا بطريقتها المخيفة، تنتزعنا من هويتنا فننسلخ عن ذاتنا، كأننا مجرد قطيع من البشر لا يفكر، فقط يقلد بشكل أعمى ما تجلبه تلك الوسائل من تحديات آتية من الغرب، فى ظاهرها النفع والفائدة وفى باطنها الضرر والأذى، لأطفالنا الصغار الذين مازالوا عجينة نشكلها، تتفتح أعينهم البريئة على عالم اختلط فيه النبل بالجهل، عالم فوق مستوى توقعاتهم، أكبر من وعيهم وفكرهم وخيالهم الخصب.



أثار انتباهى صيحة جديدة انتشرت بقوة النار فى الهشيم على كل منصات التواصل الاجتماعى لاسيما التيك توك، أطلق عليها (Bad Word Bathroom  Challenge) أو «تحدى الكلمات البذيئة»، بحث الأطفال على التلفظ بكلمات غير لائقة ومرفوضة بمجتمعنا تمامًا، فيما يصورها ذويهم سراً وينشروها على السوشيال ميديا، أما الهدف فليس تربوياً كما يروج البعض، بقدر ما هو حصد لأكبر عدد ممكن من المشاهدات والإعجابات الباهتة وغير الأمينة - ولتذهب أخلاق أطفالنا وثوابتهم إلى الجحيم، إذ يعتقد الآباء والأمهات بالإيحاء الغربى الخبيث، أن هذا التحدى مفتاحاً سحرياً يتيح لصغارهم التنفيس عن غضبهم المكبوت بداخلهم، ويمنحهم مساحة آمنة من الحرية اللفظية، يتفوهوا من خلالها بكل الكلمات البذيئة، التى يودون إطلاقها دون خوف من أى عقوبة محتملة،، وفى نفس الوقت الذى تلتقط فيه كاميرا مثبتة بأحد جوانب الحمام مقطعاً مصوراً لتلك الجريمة القذرة، حين  يرددون تلك الكلمات بكل ما أوتوا من عفوية مسمومة، ثم يسارع الأب أو الأم إلى بثها على مواقع التواصل الاجتماعى فيتم تداولها بكل سخرية، لتحصد عددًا مهولًا من اللايكات، غير مكترثين بهذا السلوك المدمر المربك والمشوه لمفاهيم أطفالهم حول الصواب والخطأ، مما يعزز لديهم قابلية استخدام تلك الحروف الشيطانية باعتبارها وسيلة مثالية ومقبولة للتنفيس عن الغضب.

التعامل مع هذا التحدى على أنه وسيلة تربوية مثالية وفرصة  للضحك والسخرية على سلوك الطفل العفوي، يخلق لديه العديد من المشاكل والأضرار النفسية والاجتماعية، أولها فقده لمفهوم الخصوصية التى يتم  انتهاكها رغماً عنه، بالتسجيل له سراً وبث محتواه المصور على منصات يتابعها آلاف بل الملايين من البشر، وثانيها أن الطفل يعتاد على ترديد ألفاظ خارجة، ويقبل على هذا السلوك بكل رضا نفس وأريحية، خاصة أن الأب أو الأم هما من طلبا منه القيام بهذا السلوك.

نعم من الوارد أن يسمع الطفل فى الشارع أو فى التلفزيون أو فى أى مكان آخر يتواجد فيه مثل تلك الكلمات المشوهة، بسياقات اجتماعية مختلفة - إلا أن دور الأسرة يجب أن يكون هو تقويمه، وليس تشجيعه على ترديدها، وضرب قيمنا الدينية والتربوية فى مقتل، بدم بارد ودون أدنى تفكير.. ومما لا شك فيه أن هناك طرقا أخرى مناسبة للتنفيس عن الغضب والمشاعر السلبية بداخلهم، مثل تعويدهم على المصارحة والتواصل المستمر معهم، وتدريبهم على الاستخدام الصحيح لكل وسائل التكنولوجيا الحديثة، ومساعدتهم على التعبير برسم مشاعرهم على لوحات فنية معبرة عن طريقة تفكيرهم أو لحظات الغضب، أو عمل أشكال بالصلصال، أو عزف مقطوعة موسيقية إن كان قادرًا على ذلك، أو ممارسة تمارين التنفس العميق المنتظم ، أو عد من عشرة لواحد، أو غيرها من الطرق الأخرى التى يوصى بها خبراء التربية وعلماء النفس والأهم من ذلك هو تعليمه مهارات حل المشكلات بدلا من البكاء على اللبن المسكوب - حتى يكونوا مستقبلين إيجابيين وليسوا مغيبين أو مهمشين أو تابعين.