استيقظ للكلام
لا شك فى أن اللغة العربية تعتبر من اكثر اللغات ثراءً فى التعبيرات والاوصاف والمرادفات والتراكيب اللغوية إن لم تكن بالفعل هى اكثر اللغات ثراءً على الاطلاق، ولكن وبالرغم من ذلك فان اللغة العامية المصرية يراها البعض - وانا منهم - أنها قد لا تقل فى العظمة وفى التعبير عن العربية الفصحى.
الصراع بين العامية والفصحى صراع كبير وممتد، رأينا بعضا من معاركه فى المجال الأدبى بين كتاب الرواية وحراس اللغة، فالعقاد وطه حسين ونجيب محفوظ وغيرهم يتمسكون باللغة العربية حتى عندما تأتى العبارات الموجودة فى رواياتهم على لسان رجل من العامة كالجزار مثلا، وعفوا لأن اللفظ الفصيح هو«قصاب».
على الجانب الآخر نجد ادباء كثر يكتبون بالعامية المصرية الصرفة خاصة بعض من أبناء الجيل الحالى وبين هذا وذاك نجد ادباء يمزجون بين اللغة واللهجة فتاتى الرواية رصينة اللغة إلا من الحوارات التى تاتى على لسان الابطال مثلما حاول الاديب الكبير يوسف السباعى وأخرون، فالفارق بين القاء السلام عند قصاب نجيب محفوظ وجزار يوسف السباعى هوالفرق بين «عمتم صباحا» و«صباحكم نادى».
أتذكر كم كنت لا اشعر بقسوة بعض المواقف عندما تكتب بالعربية الفصحى، كتحقيقات وتقارير النيابة بخصوص جريمة قتل مثلا حيث تأتى العبارات من نوع «حيث سدد المتهم عشرة طعنات متفرقة الى جسد المجنى عليه، مما أدى إلى تمزق البطن وخروج الاحشاء وانتشار الدماء بارضية الغرفة مما أدى الى وفاة المجنى عليه بعد دقائق»ن حيث كنت اقرنها بنظيرتها من العامية والتى قد تحمل عبارات مثل « المتهم ضرب القتيل بالسكينة عشر ضربات فى كل حتة فى جسمه فبطنه اتفتحت ومصارينه طلعت والأرض غرقت دم ومات الراجل بعد كده بعشر دقايق».
أو وصف حادث مرورى أدى لاصطدام ثمانية عربات جراء الامطار الشديدة والشبورة بدلا من القول بأن «تمن عربيات خبطوا فى بعض بسبب المطر الشديد والشبورة الجامدة».
أو عندما يتحول الامر الى الطابع الكوميدى عندما يتم تحويل العبارات المولودة من رحم العامية وتحويلها الى الفصحى مثل «اصحى للكلام» والتى تتحول الى «استيقظ للكلام» أو «الشارع اللى وراه « عندما تتحول إلى «الجادة الخلفية».