الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

خنجر توت عنخ آمون الذهبى من السماء أم هدية زفاف الجد أمنحتب الثالث؟!

تقرير- علاء الدين ظاهر  



لا شك أن آثار مصر وتراثها العظيم تمثل حجر الزاوية فى شتى دراسات حضارات الشعوب القديمة، وقِبلةً لعلماء المصريات والتاريخ ومختلف أنواع العلوم، ولعل آثار ومقتنيات الملك الشاب توت عنخ آمون التى فاق عددها وتجاوز الـ5000 قطعة قد حظيت باهتمام عظيم من قبل علماء الآثار والباحثين وغيرهم فى جميع أنحاء العالم لصغر سن الملك عند توليه مقاليد الحكم وعند موته،

كذلك مقبرته التى اكتشفها الإنجليزى «هيوارد كارتر» بالأقصر عام 1922م،

 وحوت رغم صغر حجمها هذا العدد الهائل من المقتنيات وشمولها عددًا غير طبيعى من المواد والمعادن والحلى والأحجار الكريمة وغيرها مما استخدم لصياغتها وتشكيلها ونحتها وصناعتها من توابيت وعجلات حربية وتماثيل وأوانى كانوبية وتماثيل الأوشابتى والأسرة والثياب والحلى وكرسى العرش والقناع الشهير.

نصل شهير

بيد أنه فى الآونة الأخيرة قد شغلت بعض مقتنياته الرأى العام والأوساط العلمية، لا سيما ما شكل منها من الحديد Iron كالأزاميل ومسند الرأس ونصل خنجره الشهير الذى اكتشف عام 1925م تحت الغلاف المحيط بالفخذ الأيمن لمومياء الملك،  والذى يعود للقرن 14 ق. م،  ومثل أساساً لعدد من الدراسات التى نشرت تفاصيلها بمجلات دولية مرموقة، بين مؤيد ومعارض لنتائجها وتعدد نظرياتها حول طبيعة وأصل وتكوين نَصل أو شِفرة الخنجر هذا، وهو ما تناوله الدكتور مدين حامد الخبير والمحاضر الدولى فى دراسات ترميم وتزييف وتزوير الآثار والوثائق والمخطوطات بشكل يختلف نسبياً عما ورد بحيثيات ونتائج تلك الدراسات ترسيخاً لحقائق ومستجدات تدعم بعضاً مما ورد بمفرداتها وتصحح ما أخطأت فيه وغفلته وما آلت إليه وافتقدته، خاصة وأن الأمر يختص بأحد أشهر ملوك العالم القديم وسيرته الغامضة لحياته وبعد مماته.

هدية السماء

ففى الآونة الأخيرة، تناولت مواقع التواصل الاجتماعى ووسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية وغيرها نتائج دراسة وحيدة، وسلطت الضوء عليها دون غيرها رغم استنساخها من دراسات سبقتها وتكرار نتائجها، ووصفها بالإعجاز العلمى كأول دراسة فى العالم أنهت الجدل المثار حول نصل الخنجر المشكل من حديد نيزكى Meteoric Iron حسب وصفها،  واصفة إياها ومعقبة عليها أن قدماء المصريين ربما قد صعدوا للفضاء وجلبوا حديد النصل، اعتماداً على نظرة القدماء للحديد كهدية من السماء وعدم وجود الحديد على الأرض ، ودعم النظرية بآى الذكر الحكيم وقوله تعالى فى سورة الحديد« وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ ۚ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (25)، دون معرفة تفسيرها الرئيس، والذى فيه تحذير وحث، فأما التحذير فالحديد أى السيوف وغيرها والأمر بالقتال والردع لمن خالف القرآن ومن أبى عن الحق، والحث على منافعه من الحلى والآنية والبناء... وغير ذلك، ونهاية منهم بنفى وجود عنصر الحديد على الأرض وقت تشكيل هذا النصل، بل وتكون فى الأرض بعد هذا التاريخ، والتى خلقت قبل ذلك بملايين السنين مفتقدة لأحد عناصرها الرئيسة كالحديد.

رغم أنه يعتبر الحديد رابع المعادن وفرة فى تكوين الأرض بقشرتها ولبها الرئيس، والذى يشكلُ 95٪ من المعادن المستخدمة على وجه الأرض، وقد تواترت استخدامات نوعى الحديد الأرضى والنيزكي، وتبادلت أدوارها فى صناعة العدد والأدوات والأسلحة كالخناجر والتمائم والحلى فى مصر والبلدان المجاورة، وعرفت صناعته وتعدينه فضلاً عن صهره واستخراجه من خاماته ورواسبه، وفى الوقت ذاته ربما قايضت تلك البلاد بعضها بعضاً الحديد بخامات أخرى، مع الوضع فى الاعتبار قدم الإشارات الخاصة بالحديد الأرضى مقارنة بالنيزكى منه، ولم التعجب وهو أحد مكونات القشرة الأرضية الرئيسة بعيداً عن تفسير الآية الكريمة المقدمة سلفاً والذى اختص بأمور شرعية ضابطة وأوامر ونواهى وحث على الاستفادة من ميزاته وبأسه وصلابته، وتجنباً لتأويل نظرة المصرى القديم بقدومه من السماء، فقد كانت نظرة عقائدية استمد الحديد النيزكى قدسيته منها ليفضل على نظيره الأرضى مثلما فضل الكتان linen من النبات الطاهر على الصوف Wool من الخراف غير الطاهرة حسب معتقداتهم، هذا إذا ما توافرت أدلة يمكن الاعتماد عليها فى هذا الرأي، ولا علاقة لذلك بمسألة أى النوعين من الحديد قد سبق الآخر استخدامًا أو وجودًا على الأرض.

دراسة عديدة

وقد تعددت الدراسات التى بحثت فى أصل وتكوين وتركيب نصل خنجر الملك المصرى الشاب توت عنخ آموت، والتى اعتمد سوادها الأعظم على تقنية واحدة للتحليل العنصرى Elemental analysis باستخدام التحليل الطيفى بالأشعة السينية XRF، ولم يكن الاختلاف إلا فى نوع جهاز الأشعة أنالوج أو رقمى أو محمول Portable، والتى لم تدعم نتائجه بتقنية أخرى أو أكثر، بل تكررت جميع نتائجها، واستنسخت فرضياتها من بعضها البعض، فلم تأت بجديد اللهم القليل منها والذى جاء بحلول العام 2017م بعد آخر دراسة إيطالية مكررة فى العام 2016م،والتى لم تضف جديدًا على ما سبقها.

وفى عام 2020م زار «تاكافومى ماتسوي»  مدير مركز أبحاث استكشاف الكواكب التابع لمعهد ماتشيبا للتقنية باليابان المتحف المصرى لإعداد دراسة نشرت أعمالها بمجلة Meteoritics planetary science لمعرفة تقنية صب وتشكيل الحديد على البارد،  والمناسبة للحديد النيزكي، أو على الساخن كصهر الحديد والصب اللاحق أو التسخين فى درجات حرارة منخفضة، لكن جاءت نتائج تحليله وزملائه لشفرة خنجر الملك ومقبضه الذهبى جنباً إلى جنب مع المعرفة التاريخية لتقنيات التصنيع القديمة، ما ألقى الشك على أنه قد تم صنعه فى مصر القديمة على الإطلاق، واقترح أن ملك ميتانى المجاورة لمصر قد أهداه لجد توت عنخ آمون أمنحتب الثالث فى حفل زفافه على ابنته كما دلت رسائل العمارنة على ألواح من الطين،  وورثه الملك الشاب عن جده.

وأن تقنية صنعه هى التشكيل بالحرارة المنخفضة لأقل من 950 درجة مئوية حال تواجد عناصر وشوائب من الكبريت والفسفور، وهو ما وجده الفريق اليابانى من خلال المسح الضوئى بالأشعة السينية لرسم خريطة للعناصر الأخرى بخلاف الحديد والنيكل والكوبلت كالكلور والمنجنيز أيضًا، وإلا لو زادت درجة الحرارة عن 1000 درجة مئوية لاختفى نمط Widmanstâtten pattern المميز لحالة النصل فى شكل نسيج متقاطع لتوزيع بلورات الحديد والنيكل، وأن المكون الرئيس للنصل هو الأوكتاهيدريت Octaedrite أحد أنواع الحديد النيزكي، وتوصلوا أيضاً إلى ما دعم نظريتهم ورسخها إلى وجود آثار من الجص بدلالة الكالسيوم على مقبض الخنجر الذهبى لربط الحلى بالمقبض، وهى تقنية لم تعرفها مصر آنذاك، وهى نتائج عظيمة لم تحققها أى من الدراسات التى سبقتها، ورغم ذلك لم تحظ بهذا التهليل والصخب الذى حظيت به الدراسات السابقة والمستنسخة والمكررة أيضًا، كما أن ذلك لا يقلل من عظمة المصريين القدماء بل يدعم علو مكانتهم بتقرب الشعوب المجاورة وتأدية الضرائب وتأكيد العلاقات التجارية والمصاهرة بين مصر وجيرانها.

جير وجص

وتتوافق الأدلة الأثرية مع نتائج عمل الفريق الياباني، حيث يؤكد العلماء أن تقنية معالجة الحديد باستخدام الجير  Lime والجص كانت معروفة وسائدة لدى الحيثيين وفى مملكة ميتاني، كما أن صحيفة الديلى ميل أوردت فى تقرير أنه ربما قد وضعت قطع سورية ضمن مقتنيات الملك الشاب، لا سيما تلك التى حملت وزينت بزخارف تميز الطابع الشامى فى تلك الآونة، ولم يأت بها قدماء المصريين فى زخارفهم تميزًا منهم بطابعهم المصرى واعتزازا بثقافتهم وفنهم، وهم قد دأبوا مرارًا وتكرارًا على إبراز كل ما هو غريب عن حضارتهم حتى فيما يميز الأسرى من البلدان المجاورة أو المهاجرين منها إلى مصر كالآسيويين. 

وفى دراسة حديثة أجراها مختبر النيازك المغربى التابع للمتحف الجامعى بجامعة ابن زهر بأغادير بالتعاون مع معهد العلوم وتكنولوجيا البلازما بإيطاليا ونشرت فى مجلة Heritage السويسرية، وذلك على أربعة خناجر نصلها نيزكى ومحدد من قبل، وخلصت الدراسة إلى أن نسبة النيكل فيها قد تراوحت بين 1٪ و 7٪، وأن البلورات كانت كانت من الكاماسيت والتاينيت النيزكيين سالفى الذكر، وهو ما أضاف جديدًا عن الحديد النيزكى لم يكن معروفاً من قبل من قبيل نسبة النيكل فى نماذجه، وهى نتائج لم تحددها الدراسات التى سبقت العام 2016م أيضًا، ولم يشر إليها للدعم كدراسات حالة.

وبخصوص فرضية أنه قد تم تشكيل نصل خنجر الملك الشاب فى وقته لأول مرة بمصر من الحديد النيزكى دون الأرضي، فإن ذلك قد يكون إذا ما علمنا أن الحديد النيزكى حديد مطواع أو مطاوع وقابل للسحب والطرق وعلى البارد وبدرجة حرارة منخفضة كما ذكر سلفاً، والحديد النيزكى متوفر وجاهز للتشكيل،  وليست هناك حاجة لاستخلاص الحديد الأرضى فى ظل عدم توفر درجة الحرارة المناسبة لصهره واستخراجه من خاماته، حيث يتميز الحديد النيزكى بخلاف ما تقدم بانخفاض محتواه من الكربون والمسام إذا ما قورن بحديد السبخات أو الفروسيليكون المعروف بالتيلورى.

بيد أن ما تقدم من دلالات لا تكفل فرضية استخدام الحديد النيزكى فقط إبان حكم توت عنخ آمون خلال الأسرة الثامنة عشرة، وليس قبل ذلك، أو تفضيل الحديد النيزكى على الأرضي، لعدة أسباب فى مقدمتها وجود إشارات وكما تقدم عن استخدامه والأرضى منه وتشكيله فى زمن أقدم من هذا بكثير فى بلاد ما بين النهرين، والأناضول، ومملكة ميتانى واليونان، لا سيما وأن الحديد النيزكى فى الأرض منذ ملايين السنين، وليس بالضرورة أن يكون نيزكًا ضرب الأرض وقت حكم الملك الشاب. 

ورغم أن الحديد النيزكى حديد مطاوع قابل للتشكيل، إلا أنه يتقصف عند تسخينه لاحتوائه على نسبة عالية من النيكل، ومن الصعب تشكيل حديد النيازك إذا ما احتوى على نسبة عالية من الكوبلت، كما هو معروف إلا إذا احتوى على مقادير من العناصر التى ذكرت سلفًا كالكبريت والفسفور والمنجنيز، والتى تحقق منها الفريق اليابانى التابع لمعهد تاشيبا للتقنية، ولم تكن الظروف اللازمة من درجات الحرارة متوفرة فى مصر وقتئذٍ لاستخراج الحديد الأرضى وصهره لعدم اللجوء للحديد النيزكى لصعوبة تشكيله وتشغيله، ولم يكن لمصر آنذاك معرفة بتكنولوجيا معالجة الحديد والذهب بمقبض الخنجر باستخدام الجير والجص، والتى كانت سائدة لدى الحيثيين ومملكة ميتاني.

وورد برسائل العمارنة على ألواح الطين ما أفاد بتقديم ملك ميتانى عند زفاف ابنته لخنجر هدية لزوجها الملك أمنحتب الثالث جد توت عنخ آمون، فربما ورثه عنه واحتفظ به، وإلا لماذا لم يتكرر وجود شفرات الخناجر والسيوف من الحديد النيزكى بعد معرفة قيمته وطرق تشكيله بعد توت عنخ آمون، وعلنا نسأل أين أفران تشكيل الحديد أو ورش تشكيل الحديد النيزكى فى مصر من زمن حكم الملك الشاب؟ أو هل هناك نقش أو بردية تحدثت عن عملية التشكيل أو المعالجة تلك؟

لكل هذا وطبقًا لما تقدم وذكر سلفاً، فإن الحال يدفع بفرضية أن الخنجر كان هدية من البلاد المجاورة، وليس هذا انتقاصًا من قدر المصريين القدماء الذين سبقوا العالم فى كل ميادين الحياة، وكانت لهم مكانتهم وسيطرتهم لدرجة استقبال الضرائب والهدايا من الشعوب المجاورة لقاء الزود عنهم وحمايتهم، فضلًا عن علاقات التبادل التجاري، ورحلات مصر لجلب المجوهرات والأعشاب ومواد التحنيط من بلاد بعيدة عنها، بل ربما تم شراؤه أو من خلال المقايضة ولم يشكل بمصر للأسباب المقدمة سلفًا، وما تم من دراسات كثير وخطير تكرارها على نفس الخنجر، وعبث غير مبرر بتراث مصر العظيم.