الخميس 2 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
روزاليوسف والأمنية المستحيلة!

روزاليوسف والأمنية المستحيلة!

عاشت روزاليوسف- السيدة والمجلة- الفترة التى كان يرأس فيها الوزارة إسماعيل صدقى باشا أياما صعبة وقاسية على جميع المستويات السياسية والصحفية.



تقول روزاليوسف لم يمهل الناس الوزارة الجديدة فقد أدرك الشعب بحساسيته أن النية مبيتة ضد الدستور فانفجرت المظاهرات فى كل مكان، وقابل «صدقى» هذه المقاومة بالعنف الشديد، وكان يقول إنه سيحكم البلاد بالعناصر الرشيدة «الحديد والنار».

وكانت الوزارة تحسب ألف حساب لتهور «النحاس» باشا وكانت لا تود أن تتورط فى استعمال السلاح والشقة مع النواب والشيوخ فأوعز إلى أحد الضباط الذين يحرسون البرلمان أن يبلغ «النحاس» باشا- وذلك عن طريق مباشر أو غير مباشر- بأن هناك مؤامرة لاغتيال حياته فى الغد إذا هو خرج على رأس النواب والشيوخ لاقتحام أبواب البرلمان.

ولعب الضابط دوره على أحسن حال وانتهت الحكاية إلى النحاس باشا فتحسس مكان الشعر المستعار من رأسه وسكت يفكر، وسرت عدوى التفكير إلى رؤوس النواب فأسندوا رؤوسهم إلى أيديهم وأمضوا الليل فى النادى يفكرون ويكتبون!!

وجاء الصباح فإذا النواب لا يخرجون بصفوفهم وإنما يخرجون على الجمهور المترقب بعريضة طويلة عريضة يسترحمون فيها جلالة الملك «فؤاد» فى إسقاط الوزارة.. الصدقية وإعادة الحياة النيابية وفى مقدمة الموقعين عليها «النحاس» باشا، وكان الناس يترقبون ما سيحدث فى ذلك اليوم وقد توترت أعصابهم إلى أقصى حد، فلما تمخض الموقف عن عريضة كانت خيبة الأمل بالغة!

وكانت هذه الفعلة أشبه بدش بارد هبط على حماس الجمهور فراح يفكر ويراجع بعد أن وضع على حماسه قفلا وحارسا، وأرسل «صدقى» باشا تنهيدة الارتياح إذ كفى الله المؤمنين شر القتال.

عندما كتبت روزاليوسف ذكرياتها الصحفية عامى 1938 و1939 كانت قد اختلفت مع الوفد وزعامته قبل ثلاث سنوات وتقول:

لو أن النحاس باشا تقدم الصفوف ولقى حتفه فى ذلك الوقت لأراح واستراح، ولكنا أول من ينادى بأن يقام له تمثال من الذهب الأبريز يركب على ظهر فيله من العاج الثمين، لو جرى ذلك لتغيرت مراحل القضية المصرية التى تلت ذلك العهد ولانتهينا فى عام 1932 أو 1933 إلى ما لم نصل إليه فى عام 1937.

ولكن يظهر أن الزمن يمد أحيانا فى أسباب حياة أشخاص من يريد أن يجرى عليهم شريعته وينصب لهم ميزانه ويكشف عن حقيقة أمرهم.

وكان هذا الاحجام من «النحاس» باشا سببا فى فتور الهمة وقتا ما، وكان أول قناع أسقطته الحوادث عن جانب من شخصية الباشا النحاس!!

أما أنا فخالجنى لأول مرة شعور لم أحسه من قبل، وأنا المرأة الضعيفة التى لا تعرف لذة المعارك والصدام، فقد ثرت للنحاس باشا وودت لو أننى كنت رجلا لألبس ثيابه وأتقدم الصفوف إلى البرلمان، وهذه أول مرة حقدت فيها على نفسى لأننى أنتمى إلى الجنس اللطيف ولو من باب الإشاعة!!

وإلى جانب هذا الشعور بدأت أحس بشىء من الاحتقار كلما شاهدت «النحاس» باشا بابتسامته العريضة ووجهه الذى يشتكى الدم الكثير فى حمرة خديه، وهذه حالة غريزية فى المرأة، إذ المرأة تأسرها دائما شجاعة الرجل!

ولكن هذا الشعور الطارئ لم يقلل من إعجابى بالمبادئ التى يمثلها الوفد فى زعيمه، وهى مبادئ «سعد العظيم» التى أعتنقتها عن عقيدة منذ سنوات، فكان أن بالغت فى مهاجمتى للوزارة، وخصصت رئيسها «صدقى باشا» بجميع ألوان الكلام المر والعبارات الجارحة المثيرة، فصدر العدد 184 بتاريخ 5 أغسطس 1930 يحمل على غلافه صورة كاريكاتير وقد كتب تحتها إسماعيل صدقى باشا يستعين فى حكمه بالعناصر الرشيدة: الحديد والنار!!

وللذكريات بقية.