السبت 21 ديسمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
عظم شهيدك.. ويبقى الأثر

عظم شهيدك.. ويبقى الأثر

فى نفس الزاوية من الأسبوع الماضى بالصفحة الأخيرة، كتبت مقالى عن شهداء الدنيا والآخرة ولم أتمكن من الشرح الوافى لهذه الأنفس البشرية الطاهرة، التى ضحّت بكل متاع الدنيا من أجل الوطن.. كان من الواجب أن أستفيض فى الشرح الفقهى والشرعى عن أنواع ومراتب الشهداء، خاصة وأن الحديث عن الشهداء ممتد حتى قيام الساعة، عندما أشار سبحانه بقوله «أحياء عند ربهم يرزقون»، ومن هذا المنطلق فإن الفقهاء وأهل الشرع والدين قد قسّموا الشهادة إلى ثلاثة أنواع وهى كالآتى: شهيد الدنيا: وهو الذى يُعامل فى الدنيا معاملة الشهيد، وتجرى عليه أحكام الشهداء فلا يُغسّل ولا يُكفّن، ولكنه عند الله تعالى ليس بشهيد، بل أعد الله له العقوبة التى يستحق جزاءً لخبث طويّته، ويرجع السبب فى ذلك إلى سوء نيّته، فعلى الرغم من قتاله الكفار فى المعارك، إلا أن نيّته من القتال كانت رياء الناس، وحب السمعة، أو تحقيق مصلحة من مصالح الدنيا، كما ورد فى الحديث الصحيح الذى رواه أبو هريرة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «إنَّ أولَ الناسِ يُقضى يومَ القيامَةِ عليه رجُلٌ استُشهِد فأتى به فعرَّفه نِعَمَه فعرَفها، قال: فما عمِلتَ فيها؟ قال: قاتَلتُ فِيكَ حتى استُشهِدتُ، قال: كذَبتَ، ولكنَّكَ قاتَلتَ لِأَنْ يُقالَ جَريءٌ، فقد قيل، ثم أمَر به فسُحِب على وجهِه حتى أُلقِيَ فى النارِ». 



الفئة الثانية وهى شهيد الآخرة: وهو الذى لا يعامل فى الدنيا معاملة الشهيد، ولا تجرى عليه أحكام الشهداء فيُغسل، ويُكفن، ويُصلّى عليه، ولكنه يُعطى يوم القيامة أجر الشهيد، وثمة عدد من أصناف شهداء الآخرة منهم الميت بداء البطن أو الغرق، أو الطاعون، أو المقتول ظلمًا مصداقًا لما روى عن أبى هريرة - رضى الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «الشُّهَداءُ خمسةٌ: المَطعونُ، والمَبطونُ، والغَريقُ، وصاحبُ الهدمِ، والشهيدُ فى سبيلِ اللهِ» وما رواه أنس بن مالك- رضى الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «الطَّاعونُ شَهادةٌ لِكُلِّ مسلِمٍ» بالإضافة إلى ما روى عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «من قاتل دون مالِه، فقُتل فهو شهيدٌ، ومن قاتل دونَ دمِه، فهو شهيدٌ، ومن قاتل دونَ أهلِه، فهو شهيدٌ». 

والنوع الأخير من الشهداء وهو شهيد الدنيا والآخرة: وهو الذى يُقتل فى سبيل الله مقبلًا غير مدبر، مخلصًا النية لله تعالى لا لمصلحة من مصالح الدنيا، وقد ذُكر هذا النوع من الشهداء فى الحديث النبوى، حيث روى عن أبى موسى الأشعرى- رضى الله عنه- أنه قال: «جاء رجلٌ إلى النبيِّ- صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- فقال: الرجلُ يُقاتِلُ للمَغنَمِ، والرجلُ يُقاتِلُ للذِّكرِ، والرجلُ يُقاتِلُ ليُرَى مكانُهُ، فمن فى سَبيلِ اللَّهِ؟ قال: من قاتَلَ لتَكونَ كلمَةُ اللَّهِ هى العُليا، فهو فى سَبيلِ اللَّهِ»

ولغسل الشهيد أحكام شرعية، فالشهيد لا يُغسل: وهو رأى جمهور العلماء، وثمة الكثير من الأدلة على ذلك ومنها ما رواه ابن عباس عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه أمر بقتلى أحد أن يُنزع عنهم الحديد والجلود، ويدفنوا بدمائهم وثيابهم، والشهيد لا يُكفّن: إذ يجب دفن الشهيد بثيابه التى قُتل فيها، ولا يجوز أن يُجرد منها، لما روى عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال يوم أحد: «زمِّلوهم فى ثيابهم»، وإنما يُستحب تكفينه بثوب واحد فوق ثيابه كما فعل النبى- عليه الصلاة والسلام- مع حمزة بن عبد المطلب، ومصعب بن عمير رضى الله عنهما، والصلاة على الشهيد: إذ تصح الصلاة على الشهيد، أو عدم الصلاة عليه، لأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلى على جماعةٍ من الشهداء، وترك الصلاة على جماعةٍ أخرى. 

هذه هى الأحكام الشرعية الخاصة بالشهيد والتى لم أستطع الحديث عنها باستفاضة الأسبوع الماضي. 

شاهدت وتابعت الاحتفال بيوم الشهيد بالأمس من خلال الندوة التثقيفية الـ39 للقوات المسلحة فى الاحتفال بيوم الشهيد، أعتقد أن كل من يحب هذا الوطن قد بكى بالأمس دون شعور بعد الاستماع إلى زوجات وأمهات الشهداء.. الغريب أن كل القصص التى سمعتها هذا العام وفى الأعوام السابقة، تؤكد أن الشهداء كانوا يستشعرون بالشهادة فى سبيل الله، وإن دل ذلك على شىء إنما يدل على أن هؤلاء الرجال قد كشف الله لهم الحجب وأنعم عليهم ببصيرة نافذة، حتى أن أرواحهم طافت حول العرش فى جنة الخلد قبل أن تصعد تلك الأرواح من سماء الدنيا إلى السموات العلى، هنيئًا لهؤلاء الصفوة من أبناء مصر المخلصين الذين ضحوا بكل شيء من متاع الدنيا من أجل الله ودينه وأوطانهم. 

لن اتحدث كثيرًا عن رسائل القيادة السياسية الواضحة وضوح الشمس للجميع فى الداخل والخارج خلال الندوة، ولكننى أقول: إن مصر دائمًا منصورة بفضل الله، وبفضل الأرواح والدماء الطاهرة التى ضحت من أجل أن نعيش فى أمان واستقرار.. 

تحيا مصر